mercredi 4 janvier 2012

مأمون فندى: التفسير العلمى لــ«اللهو الخفى»؟

هل هناك من تفسير علمى لظاهرة «اللهو الخفى» أو الطرف الثالث الذى يلوح به البعض لتخويف المصريين، كما كانوا يخيفون الأطفال بأمنا الغولة؟ أعتقد أن هناك تفسيراً علمياً للهو الخفى، حيث لا يصبح لا خفياً ولا مخفياً كما يتصور البعض،
 ولكن لكى نفسر اللهو الخفى لابد من اتباع خطوات بعينها والإجابة عن أسئلة غير مباشرة ــ كما فى التحقيقات الجنائية ــ تقودنا إلى هوية اللهو الخفى أو الجانى على الثورة فى الحالة المصرية.
أبدأ بالأسئلة الأولية التى أتمنى أن تشاركونى محاولة الإجابة عنها ليس فقط لمعرفة مكان اللهو الخفى، بل لتحديد ملامحه وهويته؟
السؤال المنطقى الأول: ترى أين تختفى الأنظمة بعد الثورات أو الانقلابات، هل يختفى النظام ويتبخر فى الهواء ويتطاير كرذاذ لا يعود مطراً أسود فيما بعد؟ وهل النظام على عكس المادة التى لا تفنى ولا تخلق من عدم، فيفنى النظام القديم تماماً ويخلق النظام الجديد من العدم، أم أن قوانين المادة تنطبق على الأنظمة أيضاً،
وبهذا يمكننا القول إن النظام لا يفنى ولا يخلق من عدم؟ لنفكر ولو قليلاً فى هذا الأمر ولا نستعجل السؤال الثانى، فقبل أن نبدأ السؤال الثانى لابد لكل من لن يقلب موضوع المادة والنظام فى رأسه، ليتيقن مما إذا كان النظام يفنى ويخلق من عدم أم أن هذه المقولة غير صحيحة؟
السؤال الثانى: إذا كان النظام يفنى فماذا عن مكونات النظام؟ فمثلاً هل بالفعل اختفى جهاز جرار من أمن الدولة مثلاً، كان يعمل به أكثر من ربع مليون ضابط وموظف، مهمتهم الأساسية متابعة خلق الله، والحصول على معلومات تساعد على إخماد روح التمرد بداخلهم؟ فبالصور التى كان يملكها جهاز أمن الدولة وبالتسجيلات الصوتية والمصورة، كان الجهاز قادراً على ابتزاز ــ وأحياناً تجنيد ــ النشطاء السياسيين، والنشطاء فى أى مجال آخر مثل الصحافة أو حتى الأنشطة الأخرى، وتحويلهم لأداة طيعة لينة لديه، فهل معقول أن ربع مليون فرد لديهم كل أدوات الابتزاز هذه اختفوا إلى غير رجعة؟ أين ذهبت التسجيلات للفضائح بأنواعها من المالية إلى الجنسية مروراً بما بينهما، أين اختفى كل هذا، وهل معقول أن هؤلاء الناس الذين يملكون كل هذا رفعوا الراية البيضاء واستسلموا للثورة، «لشوية عيال» كما كانوا يسمونهم أيام الثورة؟
هذا سؤال يحتاج إلى تفكير شويتين كما يقولون، فى رأيى أن جهاز أمن الدولة فوجئ بمن قاموا بالثورة، بمعنى أن الذين نظموها وحركوها لم يكونوا ممن لهم ملفات فى الجهاز، وليسوا «متصورين فى أوضاع مخلة، أو لهم ملفات مالية أو غير ذلك». فالجماعة الذين كان يهتم الجهاز بالتسجيل لهم أو تصويرهم لم يخرجوا فى الأيام الأولى للثورة، وحتى عندما خرجوا كانوا يثورون بالقطعة، يعلو صوتهم للحظة، حتى يأتيهم تليفون التهديد فيغيروا نغمتهم وعلى الهواء مباشرة، قائلين عن النظام وعن مبارك: «إديلوا فرصة تانية، وخليه يكمل الست شهور».
فكر ملياً فى هذا، فى الصور، وفى موضوع الضابط «موافى» الذى كانت مهمته التصوير، تصوير الداخل وتصوير الخارج، معقول استسلم هؤلاء بكل هذه السهولة ورفعوا الراية البيضاء؟ لو حدث ذلك بالفعل لكنا رأينا ثورة العملاء، من ينتفضون لشرفهم بعد أن هُزم سجانهم أو من كان يستخدمهم ويبتزهم بالأشرطة والتسجيلات، لو أن هذا الجهاز قد اختفى بالفعل لملأ العملاء ميدان التحرير والميادين الأخرى ابتهاجاً واحتفالاً،
ولكن حتى الآن ترى العملاء مكسورى الخاطر، موجودين فى كل وسائل الإعلام يمارسون المهام نفسها، لأن المصوراتى على ما يبدو مازال يتابع بالتليفون، حتى من غيروا أرقامهم بعد الثورة لم يفلتوا من الرقيب.
لنترك هذا السؤال إلى سؤال آخر قد يأخذنا إلى الطريق الصحيح لمعرفة مكان وهوية اللهو الخفى، فأى تلميذ درس مبادئ علوم السياسة يدرك ما يسمى فى بلاد الفرنجة الـ«فستيد إنتريستس» أو أصحاب المصالح فى أى نظام، أى أنه فى كل نظام ديكتاتورى أو حتى ديمقراطى هناك مجموعات من أصحاب المصالح، ممن تكمن مصلحتهم فى بقاء النظام القديم. وهم أيضاً من كانوا أدوات لدعم النظام القديم وتمكينه من الاستمرار.
السؤال الأخير يخص تلك البيروقراطية الجرارة، ممن يتمركزون فى كل مفاصل الدولة، هل استسلم هؤلاء بكل هذه السرعة ورفعوا الراية البيضاء للثورة وبهذه البساطة؟ هؤلاء الناس يختفون لكنهم موجودون بيننا، يمارسون هواياتهم فى تعظيم مصالحهم، يقفون مع من يقف معها ويتصدون لمن يقف ضد هذه المصالح.
 هذه مجموعة أسئلة أولية قبل أن تنتهى مساحة المقال، قد تقودنا إلى نظرية متماسكة لتفسير علمى للهو الخفى، الذى يسمى بالإنجليزى يا مرسى على غرار مدرسة المشاغبين، الـ«فستيد إنترستس». ويمكنك تتبع مكان اللهو الخفى فى المقال المقبل أو إطفى الجهاز وشغله تانى وابدأ الأسئلة من الأول.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire