mardi 27 mars 2012

علاء الأسواني : لكم دستوركم ولنا الثورة

افترض أنك تريد أن تبنى بيتا لنفسك.. أنت تملك المال اللازم، لكنك لا تستطيع أن تبنى البيت بنفسك، لذلك سوف تستعين بمهندس توكله عنك فى مهمة بناء البيت.. وحيث إن بناء البيت عملية متخصصة يجب أن تتم وفقاً لقواعد هندسية سليمة كما أنها تحتاج إلى مواد بناء لها مواصفات محددة.. يجب عليك أيضاً أن تتعاقد مع مهندس استشارى للإشراف على مهندس التنفيذ. المهندس الاستشارى هو الذى سيحدد مواصفات مواد البناء، وهو الذى سيلزم مهندس التنفيذ باتباع الخطوات الهندسية السليمة، وفى النهاية سيقوم بتسلم المبنى منه. هذه الطريقة الصحيحة لبناء بيتك. السؤال الآن: ماذا لو أن مهندس التنفيذ قال لك إنه لا يحتاج إلى مهندس استشارى وإنه سيحدد بنفسه مواد البناء وسيقرر بنفسه الخطوات الهندسية اللازمة. ماذا لو قال لك مهندس التنفيذ:
- ما الفرق بينى وبين الاستشارى؟! أنا مهندس وهو مهندس.. أنا سأنفذ البناء وأنا أيضا سأتولى مراقبة نفسى بنفسى.
بالطبع لابد أن ترفض لأن هناك تضاربا فى المصالح حيث إن مصلحة مهندس التنفيذ ستجعله يستعمل أرخص المواد ويتغاضى عن عيوب البناء حتى لا يتكلف مالا فى إصلاحها، بينما المهندس الاستشارى محايد وهو الذى يحدد المواصفات ويتأكد من مطابقة البناء للمواصفات التى وضعها بنفسه.. هذا المثال الصارخ على تضارب المصالح هو ما يحدث الآن فى لجنة كتابة الدستور. الدستور مثل المهندس الاستشارى ومجلس الشعب مثل مهندس التنفيذ، لا يمكن لمهندس التنفيذ أن يتولى أعمال الاستشارى فيراقب نفسه بنفسه، ولا يمكن لمجلس الشعب أن يكتب الدستور الذى يحدد صلاحياته.. الدستور هو أبو القوانين الذى يحدد العلاقة بين سلطات الدولة، ولا يجوز أبدا أن تتدخل فى كتابته إحدى هذه السلطات. الدستور ينشئ صلاحيات مجلس الشعب فلا يجوز لمجلس الشعب أن يحدد صلاحياته بنفسه. هذه القاعدة الدستورية الراسخة قد أجمع عليها كبار أساتذة القانون الدستورى فى مصر، بل إن المحكمة الدستورية العليا فى مصر فى يوم 17 ديسمبر 1994 برئاسة المستشار عوض المر أصدرت حكما قالت فيه بالنص:
«إن الوثيقة الدستورية تخلق مؤسسات الدولة بما فيها مجلس الدولة والحكومة وتقرر مسؤوليتها والقواعد التى تحكمها، وبالتالى لا يجوز لسلطة هى من خلق الدستور أن تخلق الدستور».
لا يجوز إذن لمجلس الشعب الذى هو من خلق الدستور أن يخلق الدستور. الحق واضح جلى لا يحتاج إلى نقاش، لكن أعضاء البرلمان من الإخوان والسلفيين يصرون على تشكيل لجنة كتابة الدستور بمعرفتهم وتحت سيطرتهم وحدهم.. لقد شكلوا نصف لجنة الدستور من أعضاء مجلسى الشعب والشورى، أى من الإخوان والسلفيين، ثم شكلوا النصف الآخر من شخصيات تنتمى إلى الإسلام السياسى مثلهم، وفى النهاية أضافوا إلى اللجنة بضع شخصيات مستقلة ليكونوا بمثابة كومبارس أو شهود زور على جريمة خطف دستور الأمة المصرية لصالح الإخوان والسلفيين.. هل تستطيع هذه اللجنة المنحازة العرجاء أن تحدد صلاحيات البرلمان أو تضع قيودا عليه بأى شكل بينما يمتلك أعضاء البرلمان فيها الأغلبية المطلقة؟ هل تستطيع هذه اللجنة أن تلغى نسبة 50٪ «عمال وفلاحين» من مجلس الشعب، بينما بين أعضائها عمال وفلاحون؟ هل تستطيع اللجنة أن تلغى مجلس الشورى، بينما أعضاؤها ينتمون إلى مجلس الشورى؟ هل يمكن أن نتصور أن أعضاء مجلس الشعب سيلغون امتيازاتهم وسيضعون على أنفسهم قيوداً بأنفسهم بينما هم يكتبون دستوراً يسيطرون تماما على لجنته التأسيسية؟!
يقول الإخوان والسلفيون إنهم منتخبون من الشعب، وبالتالى من حقهم أن ينوبوا عنه فى كتابة الدستور.. هنا مغالطة كبرى لأن مهام المجلس النيابى مختلفة تماما عن اللجنة التأسيسية للدستور. نحن ننتخب شخصاً فى اللجنة التأسيسية للدستور إما لأنه يمتلك معرفة كبيرة بالقانون والدساتير وإما لأنه ينتمى إلى طائفة أو جماعة لابد من التعبير عن إرادتها فى الدستور، لكن هذا الشخص ذاته الذى انتخبناه لكتابة الدستور قد لا يصلح لكى يكون نائبا عن الشعب.. وبالمقابل نحن ننتخب نائبا لمجلس الشعب لقدرته على الاتصال بالجماهير وخبرته السياسية، لكن هذا النائب نفسه قد لا يمتلك المقومات اللازمة لكتابة الدستور.. من حق الأغلبية السياسية فى مجلس الشعب أن تشكل الحكومة ومن حقها أن تنفذ سياساتها التى انتخبها الشعب من أجلها لكن ليس من حقها أبداً أن تنفرد بكتابة الدستور وفقا لتوجهاتها.. الدستور يجب أن يشترك فيه المصريون جميعا عن طريق ممثلين لكل التيارات والأقليات بل إن تمثيل الأقليات فى الدستور أهم بكثير من تمثيل الأغلبية.
لو أن فى مصر مواطناً بوذياً أو هندوسياً واحداً لوجب أخذه فى الاعتبار أثناء كتابة الدستور حتى نضمن حماية حقوقه كمواطن.. كان الواجب أن يترفع الإخوان والسلفيون عن العبث بالدستور، وأن يتركوا الأمة المصرية تمثل نفسها بكل أطيافها ليكون دستورا يقيم الدولة الديمقراطية الحديثة التى ضحى من أجلها مئات الشهداء بحياتهم أثناء الثورة... هنا لابد أن نتساءل: لماذا يتجاهل الإخوان والسلفيون الحق الواضح وينتهكون بقلب جامد قواعد القانون الدستورى؟! هل أصبح الإخوان والسلفيون فجأة جميعا من المغالطين الكذابين؟! الإجابة بالقطع لا.. فتيار الإسلام السياسى بالرغم من خلافنا الفكرى معه، مثل كل التيارات السياسية، يضم شخصيات وطنية وقامات رفيعة.. لماذا إذن يغالطون ويتجاهلون الحق؟! الإجابة ببساطة لأن دوافعهم عقائدية دينية وليست سياسية أو فكرية. إن طموحهم للسلطة مدفوع بعقيدة دينية. هنا يجب أن نميز بين دين الإسلام والإسلام السياسى. إن كل مسلم هو إسلامى بالضرورة.. مادمت مسلما فأنت بالقطع تريد أن تطبق تعاليم الإسلام فى كل شؤون حياتك.. هكذا يقضى دين الاسلام.. أما الإسلام السياسى فهو مشروع سياسى يستعمل الإسلام ليس بوصفه ديناً، وإنما باعتباره برنامجاً سياسياً يصل بصاحبه إلى السلطة ثم يسعى بعد ذلك إلى تنصيب خليفة يحكم العالم الإسلامى كله. الإسلام السياسى فكرة غريبة على التاريخ المصرى الحديث لأن كل زعماء مصر منذ محمد على فى القرن التاسع عشر حتى الآن كانوا مسلمين، وكانوا يستمدون من دينهم المبادئ الإنسانية العظيمة، تعلموا من الإسلام الحق والعدل والحرية، لكنهم لم يعتبروا الدين مشروعاً سياسياً قط. كان مصطفى النحاس زعيم الوفد مسلماً ملتزماً حريصاً على أداء تعاليم دينه بالكامل، لكنه كان متشدداً فى فصل الدين عن السياسة لدرجة أنه رفض ذات مرة أن يقرأ برنامج أحد الأحزاب لأن فيه لفظ الجلالة وقال لصاحبه:
- عندما تكتب كلمة الله فى الدعاية الحزبية تتحول فورا إلى دجال.
من حق أتباع الإسلام السياسى أن يمارسوا حقوقهم السياسية، لكن من واجبنا أن نشرح أن استعمال الدين لأغراض سياسية لابد أن يؤدى إلى مجموعة من الممارسات السيئة.
إن الدين اعتقاد حصرى، بمعنى أن أصحاب أى دين يؤمنون بأن دينهم الوحيد الصحيح، فالمسلم يعتبر أن الدين عند الله الإسلام أما بقية الأديان فهى إما كاذبة أو محرفة، والمسيحى يعتبر المسيح الحقيقة الوحيدة وبقية الديانات غير صحيحة، واليهودى يعتبر المسيحيين والمسلمين جميعا فى ضلال لأن المسيح فى نظر اليهود لم يظهر بعد. الدين ليس وجهة نظر قابلة للنقاش، وإنما يشكل عقيدة يعتبرها أصحابها حقيقة مطلقة ويدافعون عنها باستماتة ولا يقبلون أى تشكيك فيها.. إن الإنسان مهما كان مستوى تعليمه مرتفعاً، ومهما تمتع برحابة الصدر والتسامح ما إن يشكك أحد فى دينه حتى يثور بشدة ويتصرف بشراسة دفاعاً عن عقيدته..
هذه طبيعة العقيدة الدينية وهى مختلفة تماماً عن الرأى السياسى الذى مهما كنت مقتنعا به فأنت فى النهاية تعلم أنه اجتهاد بشرى قابل دائما للنقد والتصويب. إن ممارسة السياسة بمشاعر الدين تؤدى غالبا إلى التعصب والسعى إلى الاستحواذ على السلطة بكل طريقة دون النظر إلى مصالح الآخرين وحقوقهم.. من الصعب على أتباع الإسلام السياسى أن يعترفوا بحقوق خصومهم السياسيين لأنهم يؤمنون بأن من يعارضهم فى الرأى إنما يعارض الدين ذاته، ولذلك فهو إما كافراً أو فاسقاً أو عميلاً للغرب والصهيونية أو - فى أحسن الأحوال - منحلاً إباحيا يسعى لكى تشيع الفاحشة بين الذين آمنوا.. إذا اختلفت مع الإخوان والسلفيين فقد اختلفت مع الإسلام ذاته، هكذا يعتقدون وبالتالى ليس بمقدورهم، غالبا، احترام المختلفين معهم فى الرأى أو الاستماع إلى وجهة نظرهم لأنهم يعتبرونهم أعداء الله ورسوله.. أتباع الإسلام السياسى - كما صرح أحد مشايخهم مرة - يعتبرون الانتخابات غزوة، حرباً بين المسلمين وأعداء الإسلام.. فلا يعقل أبدا أن توقف القتال فى إحدى الغزوات لكى تستمع إلى آراء أعداء الدين، ولا يعقل أبدا أن تعترف بحقوقهم إذا كنت تملك انتزاعها لصالحك. إن الإخوان والسلفيين لا ينظرون إلى الدستور باعتباره عقدا اجتماعيا يجب أن يعبر عن إرادة الشعب كله، لكنهم يعتبرون كتابته فرصة ذهبية سوف يغتنمونها حتى يحيلوا مصر من دولة مدنية اتسعت لجميع مواطنيها منذ القرن التاسع عشر إلى دولة دينية يستأثر فيها شيوخ الدين بالسلطة المطلقة بناء على فهمهم للدين مهما كان هذا الفهم غريباً أو خاطئاً..
إن تشكيل لجنة الدستور بهذه الطريقة المنحازة المعيبة سيؤدى إلى كتابة دستور لن يمثل المصريين أبداً، إن كتابة الدستور وانتخابات الرئاسة هما المشهدان الأخيران فى مسرحية أعدها وقدمها الإخوان والعسكر معا، صفقة سياسية اتفق بموجبها الإخوان المسلمون مع المجلس العسكرى على أن يشكلوا ذراعه السياسية ويوافقوا على كل سياساته، ويضمنوا له امتيازات فى الدستور ثم يؤيدوا مرشح الرئاسة الذى يفضله، بالمقابل يساعدهم المجلس العسكرى فى الحصول على أغلبية مقاعد البرلمان عن طريق انتخابات قد تكون غير مزورة، لكنها بالتأكيد لم تكن عادلة ولا ديمقراطية. وهانحن نرى مجلس الشعب مقيد الإرادة لا يجرؤ على مخالفة أوامر المجلس العسكرى، ونرى المجلس العسكرى يقف متفرجا بينما الإخوان والسلفيون يعتدون على حق الشعب المصرى فى كتابة دستور يعبر عن المصريين جميعا ويدخل بمصر إلى الدولة الحديثة.. اكتبوا الدستور كما تشاءون لكنه سيظل دستوركم أنتم، لن تستطيعوا أن تفرضوه على الشعب، ولسوف تستمر الثورة بإذن الله حتى تحرر مصر من الاستبداد وتعيد السلطة إلى الشعب بعيدا عن صفقة الإخوان والعسكر.
الديمقراطية هى الحل.
نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire