samedi 3 novembre 2012

اسعد طه يكتب … يحكى أن : 9 … أرض الآلهة

أقلعت الطائرة ولم تكف عن الإقلاع ، ظلت طوال رحلتها تشق طريقها إلى أعلى بلا هوادة ..
عشرون دقيقة بعد مغادرتي العاصمة النيبالية كاتمندو وأجدني فوق إفرست ، أعلى قمة في العالم ، ومن عل أتمتع بمشهد خلاب لم يدم إلا حوالي الساعة ، الزمن الذي أحتاجته الطائرة لتصل إلى نقطة أعلى من نقطة الإنطلاق ، بعد أن قطعت حوالي ستمائة كيلو متر ، لتحط في مطار لاسا

خمسة عشر ألف قدم ترتفع الأرض هنا عن البحر ، نقص حاد في الأوكسجين تشعر به حين تلامس قدماك أرض المطار ، يخفف الأمر الأزهار والرقص الفلكلوري والموسيقى ، أستقبال لطيف لحوالي مائة راكب من جنسيات متعددة ، أتوا جميعا للسياحة والمتعة ، سواي وفريقي ، فقد أتينا لنبلغ قومنا بأمر التبت ، ولم يكن أمامنا من سبيل سوى أن نتخلى عن كل معدات التصوير المهنية التى بحوزتنا ، وأن نتقمص شخصية السائحين ، حتى تسمح لنا السلطات الصينية بدخولها ، المحرمة على معشر الصحفيين حينذاك

ساعة ونصف تلزمني للوصل من المطار إلى المدينة ، مسافة كافية لأن أتذكر الفيلم الشهير ، سبعة أعوام في التبت ، وأتذكر صديقي الصحفي عزت شحرور المقيم في بكين ، سألته فأجاب أن البوذية عقيدة الناس هنا شأنها شأن غيرها من العقائد ، نحل وطوائف ، وهي تنقسم إلى قسمين رئيسيين ، يتفرعان إلى فروع كثيرة ، الجنوبية وتعرف بالثيرافادا ، وهم الأصل والإتجاه الرئيسي والأكبر ، ويمثلون السلفية المتشددة ، التي لا تعترف بغيرها وينتشر أتباعها في سيريلانكا وميانمار وتايلاند ولاوس وفيتنام ، والشمالية والتي تسمى الماهايانا ، وهي الأحدث والأكثر مرونة من سابقتها ، وينتشر أتباعها في الصين واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وهونغ كونغ وسنغافورة وماليزيا ، ومن الشمالية أنشق عنها البوذية التيبيتية أو ما يعرف باسم فجرايانا ، وهم أتباع الدالاي لاما وينتشرون في نيبال وبوتان ومنغوليا وسيكيم ، وبالطبع هنا في التبت

وصلت لاسا المدينة ، فندق متواضع بل ردئ ، طلبت من الشركة التي حجزت لنا تغييره ، قالت إن عليها إبلاغ الأمر إلى بكين ، هكذا قانون التعامل مع الأجانب ، وسوف يستغرق الأمر أسابيع طويلة ، كل سكنات وحركات الأجانب هنا محسوبة ومرصودة ، منذ أن فرضت الصين سيطرتها على التبت

هآنذا إذن في لاسا ، مدينة الشمس ، كما يطلق التيبتيون على عاصمتهم ، أو كما الوصف الدارج عند سقف العالم ، حيث ضيق التنفس والدوار والإجهاد يصيب أغلب الزائرين ، فيما الناس بشوشة ، مرحبة بالضيوف ، وعلى عكس ما تذكره بعض المراجع ، عن كراهية أهل التبت للغرباء

في عاصمة التبت ليس أمامك خيارات متعددة ، فإما أن تزور معبد أو مدرسة دينية أو بيت للرهبان ، هي مدينة لا تتسع إلا للدين والعبّاد ، خذ عندك مثلا معبد جوكانغ ، الذي بني فى القرن السابع مع دخول البوذية إلى التبت ، ويعيش به اليوم مائة وثمانية عشر راهبا ، ويعد هنا من أكثر الأماكن المقدسة ، ويؤمه يوميا الآلاف لصلوات تستمر أحيانا ساعات طويلة

أما قصر بوتالا فقد شيده الدلاى لاما الخامس كمقر له عام ألف وستمائة وخمسة وأربعين ، وكان يعيش فيه حوالي ألف شخص ، وكان يعد مقرا للحكومة ، ويضم عددا من المدارس الدينية ، قبل أن يقع تحت سيطرة الصينيين الذين يراقب جنودهم داخل القصر كل شئ ، ويفرضون رسوما عالية على من أراد التصوير ، من أعلى نقطة في القصر تستطيع أن ترى مشهدا خلابا للتبت ، وتكتشف أيضا أن المدينة باتت ذات صبغة صينية أكثر منها تبيتية

في كل الأحوال فإن العيون الصينية في كل مكان ترصد كل شاردة وواردة ، شئنا أن نهرب منها ، خرجنا إلى حيث بحيرة نام تسو ، توقفنا في الطريق عند قرية ياك ، تحديدا عند خيمة صغيرة تعيش فيها ياغندا مع أبنتيها زونيم البالغة السابعة عشر عاما ، وبتسولاما البالغة الرابعة عشر عاما ، تقول السيدة إن زوجها تركها قبل عام ليحج إلى لاسا مشيا على الأقدام ، وهى التى تبعد ست ساعات بالسيارة ، أردفت لم يعد حتى الآن ، وهى تعتمد فى حياتها على الثور وعائلته ، الذى يؤمن كل شئ ، الخيمة المصنوعة من جلده ، والدفء بواسطة برازه ، والحليب للشرب ، أو قد يقايضونه مقابل أشياء أخرى ، وحول السيدة يا غندا يعيش خمسة وسبعون آخرون ، وخيمة مدرسية للأطفال

هناك حيث تسمى بأرض الآلهة ، حاولت أن أسجل كل ما وقعت عليه عيناي عندما زرتها عام تسعة وتسعين من القرن الماضي ، حينها كنت مأخوذا بفكرة شعب من الرهبان والراهبات ، يصعب على المرء التفريق بينهم ، فالجميع يحلقون رؤوسهم ، ويلتحفون برداء أحمر داكن ، وهم بين صلاة وتعليم ، ما من عائلة هنا ، إلا وأحد أفرادها على الأقل من هؤلاء الزهاد ، البوذية هى دينهم منذ أن وصلتهم فى منتصف القرن السابع ، ويرون الحياة من خلالها ، دورة من التقمص والولادات الجديدة

كنت أرى بعين العربي التبت كرمز للنضال السلمي من أجل حق تقرير المصير ، فضلا عن إشكالية نعيشها ، وهى الدين والسياسة ، فالدين والدولة لدى أهل التبت لا ينفصلان ، والذى يقود نضال شعبه السياسى يشغل أيضا أعلى رتبة دينية لدى أهل التبت ، وفي نظرهم هو نصف أله ، يطلقون عليه الدلاي لاما، أعتقدت حينها في ضرورة لقائه ، وفي ذلك حكاية أخرى
أسعد طه

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire