dimanche 18 novembre 2012

لماذا يكذب ساويرس فى واشنطن؟

 

 

د- هشام الحمامي :
قال المهندس نجيب ساويرس فى تصريحات له فى واشنطن إن الأقباط المصريين يعانون من التمييز فى مصر وإن أقباط مصرهم (الهنود الحمر) فى أمريكا وذلك لما يعانوه من اضطهاد وتمييز. وضرب مثلا بأنه حينما تم اختيار محافظ مسيحى لمحافظة قنا، قام السلفيون بقطع الطريق حتى تم  تغيير المحافظ بنظير له مسلم، ووصف ساويرس الوضع فى مصر بأنه غير مستقر على الإطلاق.
المهندس ساويرس قال هذا الكلام فى حفل تكريم أقامه له معهد دراسات الشرق الأوسط أقيم بالعاصمة الأمريكية واشنطن الأربعاء الماضى 14/11 حضره عدد من الدبلوماسيين والسياسيين والباحثين على رأسهم الدكتور عمرو حمزاوى والسفيرة الأمريكية السابقة فى مصر مارجريت أسكوبى ونائب السفير المصرى والقنصل العام.
من المهم أن نعرف شيئا عن المكان الذى قال فيه المهندس ساويرس ما قاله ومغزى حضور د/حمزاوى تحديدا.
معهد دراسات الشرق الأوسط فى جامعة جورج واشنطن مشهور باهتمامه المميز بالإسلاميين وضرورة حضورهم فى المشهد السياسى العربى بما يمثل حجمهم.. ومديره د/مارك لينش معروف جيدا لدى الإسلاميين بكتاباته الموضوعية الهادفة إلى حدوث مقاربة للمتباعد من الأفكار والرؤى.
وكان قد كتب مقالا فى مجلة الفورين بوليسى الشهيرة عام 2007م يدعو فيه الإخوان إلى إعادة تقديم أنفسهم للغرب _ وهو ما فعلوه _ وتحديد موقفهم من الديمقراطية والمرأة و الحريات، وقال إنه تلقى وقتها ردودا إيجابية ورأى أن المشكلة فى_ ذلك الوقت_ ليست فى الإخوان بقدر ما هى عند النظام المصري الذي يمنعهم من العمل في جو طبيعي ويطاردهم بالمحاكمات العسكرية.
لينش صدر له مؤخرا كتاب بعنوان (الانتفاضات العربية: ثورات غير منتهية في الشرق الأوسط الجديد)، قال فيه إن المنطقة العربية في بداية التغيير.. وإن التغيير عملية طويلة في المدة بدأت من التغير الاجتماعي.. وهنالك جيل جديد من الشباب من الطبقة الوسطى ومن كل المواطنين انضم بقوة إلى هذه العملية التى تحدث الآن بوتيرة متسارعة.. وقال إن الثورات العربية خلقت معاني جديدة (للهوية العربية الواحدة)، فالمظاهرات والشعارات أعادت توحيد الشعوب العربية في النصف الأول من عام 2011.
وهو يرى أن دخول السلفيين ساحة العمل السياسى سيغير من أفكارهم ويطورها ويعزز الاعتدال والواقعية لديهم كما حدث قبلهم مع جماعة الإخوان المسلمين.
لعلنا فهمنا الآن مغزى وتوقيت أقوال المهندس ساويرس وحضور الدكتور حمزاوى لدعم أقواله. وأيضا حضور السفيرة السابقة (سكوبى). وحسناً فعل السيد السفير محمد توفيق بعدم حضوره.
نحن أمام عدد من الأقباط والليبراليين المتطرفين الذين يمثلون نماذج مكسورة تتناهبها الخيبة والحسرة.. يرون تغييرا إستراتيجيا فى انفتاح الإدارة الأمريكية على المشهد الإسلامى فى العالم العربى وهو ما يسبب لهم إزعاجا كبيرا.
فعجلة الحركة باتجاه مستقبل جديد تدور الآن بقوة وبسرعة وهو ما أدركه الإسلاميون والغرب فتمت بينهما مقاربات وتفاهمات على (أرضية مشتركة) وهو تعبير أثير لدى د/ لينش فى هذا السياق وكان يدعو إليه من وقت طويل.
لا يدرى أغلبنا ماهية هذه الأرضية المشتركة تفصيلا وإن كانت تشير بطبيعة الحال إلى تقارب فى المصالح. ومصالح أمريكا فى الشرق الأوسط معلومة جيدا لكل المتابعين للشأن السياسى.. أمن إسرائيل وتدفق البترول ومجال استراتيجى للحركة.
أما الإسلاميون فمصالحهم موصولة بمصالح الشعوب فى تحقيق التقدم والاستقرار والتنمية بما يهيئ لهم الفرصة الأقرب والأقوى لنشر أفكارهم العميقة فى المجتمعات العربية عن الإنسان.. حياته ومساره ومصيره طبقا لرسالة السماء الخاتمة إلى الأرض.. وهم بهذا الاختيار يكونون نبلاء الدنيا والدين.
هذا تحديدا ما أزعج المتطرفين من بعض الأقباط والعلمانيين.. فكان أن ذهبوا إلى البوابات الإستراتيجية للقرار فى الإدارة الأمريكية (مراكز البحث) صائحين بالكلمات التى تمثل حساسية خاصة فى الثقافة الغربية، “اضطهاد/تمييز/عنصرية”.
أكاد أشتم روائح عفنة تأتى من جهات متفرقة فى توقيتات متقاربة.
صياح الأستاذين حمزاوى وساويرس فى أكثر المراكز البحثية تفهما وإدراكا ومعرفة بالواقع الإستراتيجى فى العالم العربى وفى القلب منه مصر فى حضور السفيرة السابقة فى القاهرة!
والمهمة يجرى الإعداد لها جيدا على حد تعبير ناعوم تشومسكى.. فحفل التكريم يتم ترتيبه سريعا (على ما هذا التكريم؟) وحسابات البنوك تبدأ فى الحركة هنا وهناك لتوفير المجال الطبيعى الذى تتحرك فيه تلك الصياحات الخؤونة، للتشويش على ما تم من تفاهمات بين الإسلاميين والغرب.
فى الوقت نفسه تبدأ إسرائيل عمليتها (عمود السحاب) فى غزة لملامسة أخطر مجالات التفاهم تلك (أمن إسرائيل) ووضع الإسلاميين فى الزاوية الحادية أمام الشعوب.. عساها تنفض من حولهم أو عسى أن يخطئ الإسلاميون فتهتز لديهم تراتب الأولويات الإستراتيجية عبر حركة الأجيال فى التاريخ تجاه فلسطين (العصب العارى فى الأمن القومى العربى).
يخطئ من يظن أن مجال الحركة السياسية فى العالم موقوف على الحكومات.. هناك أطراف خارج دوائر الحكم موصولة ببعضها البعض عبر شبكة منتقاة.. يتحرك فيها المال ببحبحة شديدة للغاية.
والحكايات فى ذلك لا تنتهى.. (ومن أراد المزيد فليرجع إلى كتاب الأستاذ هيكل الأخير “مبارك زمانه وأوانه”)، سيكتشف أن (التحريك الدولى للأحداث بالمبالغ والأثمان) يجرى على قدم وساق المهم تحديد المراد وثمنه.. والمهمة يجرى الإعداد لها جيدا.. إن حفل تكريم.. فحفل تكريم.. وإن حرب وقتال فحرب وقتال.. وإن عمليات إرهابية.. فعمليات إرهابية!
(وستنبئك الأيام عن المبلغ الذى قبضه نتنياهو وباراك من أجل عامود السحاب.. فالقصة لا علاقة لها بأمن إسرائيل! والمبلغ الذى تسلمه منسقو حفل ساويرس.. فالقصة لا علاقة لها بالأقباط!)
لكن استخدام الأستاذين ساويرس وحمزاوى لورقة الأقباط بهذا اللؤم الرخيص كان أحط ما فى الموضوع وأكثره هذيانا.. وهما يعلمان جيدا أن كل ما قيل بهذا الصدد كذب بواح وافتراء مفضوح لا يقبل التصديق.
فالمجتمع المصرى الآن يجرى إعادة ترتيبه بعد أن (لغوص) فيه الطغاة بكل أصابعهم.. وأحد أوجه الترتيب هى تحقيق المواطنة التامة والكاملة.. فقط المسألة مسألة وقت.
أقباط مصر قطعة من قلب مصر وهم (ركيزة جوهرية فى وحدة الوطن)، كما قال نجيب محفوظ، والإسلاميون أكثر من يعى ذلك شرعيا واستراتيجيا. والمسيحيون العرب بوجه عام كيان يتحرك فى التاريخ ليشهد أن الإسلام هو صاحب الشريعة الوحيدة التى استطاعت أن تقر المساواة مبدأ نافذا بين الناس جميعا.
واسمعوا لأرنولد توينبى المؤخ الكبير (1889-1975م)، وهو يقول (إنني أدعو العالم إلى الأخذ بمبدأ الإخاء والمساواة الإسلامي فعقيدة التوحيد التي جاء بها الإسلام هي أروع الأمثلة على فكرة توحيد العالم وتحقيق المساواة بين البشر وأن في بقاء الإسلام أملاً للعالم كله).
هل عرفتم لماذا كذب ساويرس وصفق له حمزاوى وسكوبى؟
لكن طنين أجنحة الذباب لا يضير.. كما قال المتنبى.

لماذا يكذب ساويرس فى واشنطن؟
قسم الأخبار
Sun, 18 Nov 2012 07:58:00 GMT

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire