هكذا يمضى فقيراً كالصلاة.. وحيداً كالنهر فى درب الحصى.. ومؤجلاً كقرنفلة.. هكذا يعبر حجازى جسر الحياة فى صمت بلا ضجيج.. يختار ليلة الجمعة الأخيرة فى حياته فيبيت ليلته الأخيرة فى المستشفى.. ويؤجل الرحيل إلى صباح الجمعة.. فى تمام الثامنة يمضى حجازى ويوصى أخواته البنات ألا يخبروا أحدا برحيله إلا بعد أن يوارى جسده التراب.. يرقد مستكيناً بعد رحلة طويلة فى حياة غنية وثرية.. وبعدها عرفنا جميعاً أنه دفن ولم يمنحنا حتى شرف تشييعه لمثواه الأخير.. أو توديعه الوداع الأخير..
كان يحب الصمت ويعشق الهدوء.. فذهب فى صمت ورحل بهدوء.. إنه حجازى.. خسرته الصحافة المصرية منذ سنوات بعد أن أحس أنه لا جدوى من الرسوم الكاريكاتورية مادامت هى لا تستطيع أن تغير الواقع.. وبفقدانه صباح الجمعة الماضية خسرته كل الصحافة المصرية فلم نفقده وحدنا نحن أسرة صباح الخير.. وروزاليوسف بل فقدته مصر والأمة العربية كلها. عندما جاء مع حسن فؤاد قادماً من مجلة التحرير التى نشر فيها أول رسوماته.. كان الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين يضع اللمسات الأخيرة لإطلاق مجلة صباح الخير من ضلع روزاليوسف الأعوج.. فهى مجلة اللوع.. والتمرد والخروج على المألوف.. ويقول حجازى القادم من طنطا منذ شهور: عندما دخلت روزاليوسف وصباح الخير «التقيت بالناس الجامدة قوى فى الكاريكاتير.. صلاح جاهين.. وجورج البهجورى ورجائى ونيس»، ومنذ تلك اللحظة بدأت رحلة حجازى فى الصحافة المصرية ليصبح بعد سنوات قليلة من أشهر رسامى الكاريكاتير فى مصر والعالم العربى.
وبدأ حجازى ينتظم فى صفوف المدرسة المصرية الحديثة للكاريكاتير ليصبح أحد روادها العظام.. فقد كانت مجموعة المواهب الشابة التى احتشدت فى ذلك الوقت على صفحات «مجلة صباح الخير».. التى صدرت لتحقق شعاراً براقاً: «للقلوب الشابة والعقول المتحررة».. وكان الهم الرئيسى لذلك الحشد غير المسبوق فى تنوع اهتماماته ومواهبه هو: «مصر» التى تحررت بعد الثورة من الإقطاع واستكملت استقلالها الوطنى بالجلاء.. ثم تأميم قناة السويس ثم حرب 1956. فى مثل هذا الجو الرائع بدأ حجازى يستكمل أدواته الفنية.. وقد أخذت خطوطه طريقها نحو التبلور.. وتحددت ملامح أسلوبه الخاص المتفرد.. وفى زمن قصير للغاية نجح حجازى فى تحقيق المصرية الشديدة فى الشكل والفكرة والتعبير.. واستطاع أن يصور الشخصية المصرية بريشة كاريكاتورية متميزة، فرصد ملامحها جيداً.. وتابع بقلب حميم كل تصرفاتها وسلوكياتها المصرية.. فتعرض لأدق تفاصيل مشاكل المرأة.. الشباب.. الحب.. الزواج.. زيادة النسل.. المواصلات.. الموظفين.. الفن وغيرها من القضايا المصرية الصميمة.
وبرع حجازى فى الكاريكاتير الاجتماعى الذى لم يكن فى جوهره بعيداً عن السياسة.. خاصة هذا النوع الجديد الذى ابتكرته مدرسة صباح الخير الكاريكاتورية.. فقد وجد أمامه الفرصة المتاحة للنقد والسخرية اللاذعة.. وخلال رؤية حجازى الخاصة للأمور.. بدأ يقدم مجموعة من السلاسل الكاريكاتورية الجديدة تحت عناوين متعددة مثل:
(ضحكات منزلية).. و(البحث عن عريس).. و(ضحكات نسائية).. و(أولاد وأزواج).. ومن خلال هذه السلاسل استطاع حجازى أن يسجل الأحداث العامة والخاصة من خلال رؤيته هو لانعكاسها على الإنسان المصرى البسيط.. وكما سجل «الجبرتى» و«ابن إياس» و«المقريزى».. تاريخ المصريين من خلال الملوك والحكام وأعوانهم ــ سجل حجازى عبر آلاف الرسوم الكاريكاتورية التاريخ السرى للإنسان المصرى.. وإعادة قراءة التاريخ المصرى على هذا النحو متعة لا يضارعها سوى الجلوس مع حجازى نفسه للاستمتاع بتصوراته عن الحياة والواقع الإنسانى.
قد يكون حجازى رحل عن عالمنا.. ولكنه لا يمكن أن تكون روحه قد غادرت شارع قصر العينى ومجلة صباح الخير.. أعتقد أن حجازى سيظل دائماً بيننا طالما رسوماته ما زالت تزين الجدران والصفحات.
ومازالت رسومه قادرة على إثارة الدهشة ورسم الابتسامات العذبة فوق الشفاه لن نقول لك وداعاً حجازى.. سنقول لك دائماً إلى
vendredi 28 octobre 2011
حجازى.. ولد مع «صباح الخير» وعاش معها وفيها
Inscription à :
Publier les commentaires (Atom)
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire