samedi 19 mai 2012

«وردة» تنهى «حكايتها مع الزمان» (ملف خاص)

وردة الجزائرية

فى منزلها المطل على نيل القاهرة عاشت النجمة الكبيرة وردة، تتابع عن كثب، تطورات الأحداث، وتصاريف الأيام، لم تفقد قدرتها على الرصد والتحليل، وربط وقائع الحاضر بحكايات عاشتها أو كانت طرفاً فيها خلال سنوات طويلة قضتها من أجل الفن، واستطاعت أن تترك لنفسها بصمات لا تمحوها الأيام على خارطة المشهد الغنائى العربى، وبقيت أعمالها فى ذاكرة المستمعين، وفى تاريخ النغم.

رحلت «وردة» عن عالمنا عن عمر يناهز 73 عاماً، وشيع جثمانها أمس «الجمعة»، من مسجد صلاح الدين بالمنيل، ملفوفة بعلمى مصر والجزائر، وتحدثت «المصرى اليوم» مع كبار الشعراء والملحنين والمطربين والمنتجين الذين أعربوا عن عمق حزنهم لرحيلها، وأكدوا أنهم افتقدوا آخر نجمة فى جيل العمالقة.

وكانت «المصرى اليوم» أجرت حوارا مع المطربة الكبيرة، قبل رحيلها، وبعد فترة صمت طويلة استمرت أكثر من 3 سنوات، عاشتها بعيدا عن الإعلام، وتحدثت «وردة» عن علاقتها بالنظام السابق، وشائعة علاقتها بالمشير عبد الحكيم عامر، مرورا بزواجها من بليغ حمدى والعقبات والأزمات التى واجهتها منذ بداية طريقها فى عالم الفن. ستغيب وردة عن المشهد بجسدها، لكنها لن تغيب عن قلوب ووجدان من رددوا معها أجمل أغنيات الحب والوطن.

قالوا عنها

الأبنودى: لم تخن جزائريتها ولم تتنكر لمصريتها

قال الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى: «من الأسف أن ترحل الفنانة الكبيرة وردة ومصر فى حالة من القلق العارم، وبالتالى فإنها لن تأخذ حقها من الحزن، فالمطربة العظيمة التى جاءت من الجزائر واستوطنت مصر لم تخن جزائريتها يوماً، ولم تتنكر لمصريتها أبدا، فجذور وردة ضاربة فى التربة المصرية، وقد كانت واحدة منا».

وتابع: «كانت وردة صريحة لدرجة موجعة، وربما اكتسبت ذلك من حياتها فى فرنسا، وكانت تواجه الذين يتقولون على بعضهم البعض بصورة مدهشة، وهى أولاً وأخيراً طيبة جدا، وقضينا وقتا خلال تجربتى الغنائية معها، سواء بمصاحبة الشريعى أو جمال سلامة.

وجدى الحكيم: اختارت أن تموت على أرض مصر

قال الإعلامى وجدى الحكيم: «رأينا أن يشيع جثمان وردة من مصر بعد أداء صلاه الجنازة عليها، لأنها أحبت مصر، وحرصت على أن تموت على أرضها، وكانت تقول لى دائما: إنى بمجرد أن أسمع أصواتكم فى مصر أبقى كويسة وهى اختارت الأرض التى تحبها».

وأضاف الحكيم: «آخر مكالمة دارت بينى وبينها كانت عقب عودتها من باريس، وتحدثنا خلالها حول الأغنية التى تستعد لتسجيها عن الثورة المصرية والتى كتبها عوض بدوى ولحنها وليد سعد وطلبت منى أن نسجلها بعد أيام قليلة حتى تحصل على قسط من الراحة، وعدت واتصلت بها فى يوم وفاتها، فأخبرونى أنها نائمة ثم عدت واتصلت بها مرة أخرى ققالوا لى إنها فارقت الحياة».

عوض بدوى: رحلت قبل أن تغنى للثورة

قال الشاعر الغنائى عوض بدوى: «أشعر بحزن شديد بعد رحيل المطربة الكبيرة وردة، ونحن كعرب خسرنا عملاقة وهرماً كبيراً له تاريخ حافل بالنجاحات على مدار سنوات طويلة، وأعتبرها حالة نادرة لن تتكرر، فمنذ بدايتها الفنية وهى تعى جيداً طريق النجاح، مررواً بفترة زواجها من المبدع بليغ حمدى، وتعاونها مع كبار الشعراء والملحنين، وحتى بعد أن تقدم بها العمر لم تتوقف عن الغناء لحظة».

وأضاف «عوض»: «قدمت مع وردة عدداً كبيراً من الأغنيات آخرها أغنية (عدت سنة) من أغنيات ألبومها الأخير، وكانت تستعد لتسجيل أغنية عن ثورة يناير من كلماتى وألحان وليد سعد، ورعاية الإعلامى وجدى الحكيم.

صلاح الشرنوبى: آخر نجمة فى جيل العظماء

أعرب الموسيقار صلاح الشرنوبى عن حزنه الشديد لرحيل «وردة»، وقال: «أعتبرها آخر نجوم جيل العظماء، فكم هى كريمة وطيبة وتدرك جيداً كيف تحافظ على فريق عملها، ومن النادر أن تتكرر موهبتها».

عمار الشريعى: لن نجد صوتاً يشبه صوتها

قال الموسيقار الكبير عمار الشريعى: «وردة من أعظم المطربات المعاصرين، وهى تمتلك صوتاً قوياً وعريضاً وحساساً، صوتها تربية محمد عبدالوهاب ورياض السنباطى وكان لديهما ثقة فى قدراتها الصوتية، وأعتبرها من أكثر المطربين الذين يفهمون الملحن ويحترمون الشغل، ولأننا تعاونا فى أكثر من عمل فإنى أدرك جيداً أنها دؤوبة جداً وتتابع شغلها بدقة وعناية شديدين، ومن النادر أن نجد صوتا يشبه صوتها». وأضاف «الشريعى»: «قالت لى إن أغنية (قبل النهاردة) التى تعاونا فيها معا، وكتبها عبدالرحمن الأبنودى أفضل أغنية قدمتها خلال الـ25 سنة الماضية، وأكدت أنها كانت تتمنى أن تقدم هذه الأغنية قبل موعدها بـ10 سنوات حتى تغنيها بشكل أفضل.

جابر: لقَّبونى بـ«بتونِّس بيك» بعد نجاحى معها

قال المنتج محسن جابر: «وردة آخر المطربين العظماء، وربنا يعطى الصحة لشادية ونجاة، لكنى ارتبطت بوردة فنياً لسنوات طويلة، وكانت نعم الأم والأخت والصديقة، وحققنا معاً أعلى مستوى من النجاح لدرجة أنهم لقبونى بـ(محسن بتونس بيك) بعد النجاح الكبير الذى حققته الأغنية على مستوى الوطن العربى.

وأضاف «جابر»: «عشرتى بوردة أفادتنى كثيراً، ورغم هيبتها واسمها الكبيرين، فإنها كانت متواضعة إلى أقصى الحدود.

كما كانت تعى جيداً ما تغنيه، ولم تكن تحتاج إلى توجيه، ومهمتى كانت أن أوفر لها مناخا مناسبا داخل الاستديو أثناء تسجيل الأغنيات، حتى تتسلطن

.

محمد منير: أدت رسالتها حتى آخر نفس

قال المطرب محمد منير: «أنا فى شدة حزنى لوفاة المطربة الكبيرة وردة، وأجمل ما فيها أنها أكدت أن الفن ليس له سن معاش، فالفنان عطاء، ورسالتها كانت الغناء، وقد أصرت عليها وأدتها بإخلاص حتى آخر نفس فى حياتها.

هانى شاكر: موهبتها خارج نطاق التقييم

قال المطرب هانى شاكر: «رحيل وردة خسارة كبيرة على المستوى الإنسانى والفنى، ومن الصعب تقييم موهبة كبيرة مثل وردة، لأنها من عمالقة الغناء العربى، ومن الصعب أيضاً تعويضها فى هذا الزمن، لأن زمن العمالقة انتهى»

فى آخر حواراتها لـ«المصري اليوم»: إذا وصل الإسلاميون للحكم سأغادر مصر

وردة الجزائرية

فى حوارها الأخير مع «المصرى اليوم» قالت المطربة الراحلة وردة، الجزائرية إن النظام السابق «كابوس وانزاح»، وإنها توافق على محاكمة عادلة للرئيس السابق حسنى مبارك، وترفض أن تراه مذلولاً لأنه كان رمزاً للدولة طوال 30 سنة، وأكدت أنها نادمة على الغناء له لكنها لم تكن تتخيل حجم فساد نظامه، كاشفة عن تعرضها للظلم فى عهده بعد أن اتهموها بالغناء فى احتفالات نصر أكتوبر وهى مخمورة، لافتة إلى أن «مبارك» رفض منح ابنها الجنسية المصرية فحرمت منه ومن حفيدها، كما تحدثت ولأول مرة عما أشيع حول علاقتها بالمشير عامر وقالت إنها لم تقابل عبدالحكيم عامر طوال حياتها، وإن شائعة علاقتها به هى أكثر الشائعات التى أغضبتها، ولولا أن شقيقها كان يعلم أنها مع والدهما بعد سماعه الشائعة لذبحها، وقالت: إنها عادت إلى مصر عام 1973 أى بعد وفاة المشير، واستبعدت أن يكون الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وراء قتله.

وأضافت «وردة» أنها وثّقت بصوتها العديد من المناسبات والأحداث الوطنية فى مصر والجزائر، خاصة أنها صاحبة الأغنيات التى ألهبت حماس الشعب الجزائرى أثناء ثورته، وأصدر الاستعمار الفرنسى حكما بالإعدام ضدها، كما كانت صوت المصريين أثناء حرب أكتوبر بأكثر من أغنية، منها «وأنا على الربابة باغنى» وقالت فى حوارها إنها مع الدولة المدنية وأعربت عن خوفها من صعود التيارات المتشددة، وأكدت أنها ستغادر مصر إذا وصلوا إلى الحكم، وكشفت عن أملها فى أن يكون الرئيس القادم شاباً وقالت: إنها رفضت الهروب أثناء الثورة، وإن بليغ حمدى ملحن ناجح وكان زوجاً فاشلاً، وغير ملتزم بالمواعيد حتى فى يوم زفافه، وإن والدها رفض زواجها منه فى البداية، وانتقدت ما سمته «التسخين فى برامج التوك شو»، وعلقت على الأزمة التى اندلعت بين مصر والجزائر، بسبب تصفيات كأس العالم، بقولها إنه لا يصح أن تكون العلاقة بين بلدين عربيين مرهونة بنتيجة مباراة

وردة الجزائرية.. الغناء من منطقة عميقة فى الروح

وردة الجزائرية

عندما اختارت الفنانة الراحلة «وردة» لآخر ألبوماتها عنوان «اللى ضاع من عمرى»، لم تكن ترثى لحالها، أو تبكى على فرص ضائعة، ونجاحات لم تنتقل من فضاء الحلم إلى أرض الواقع، فقد حققت الكثير بالفعل، وغنت من أعمق المناطق فى الروح، لكنها ظلت على مدار سنوات عمرها، التى قاربت الثلاثة والسبعين عاماً، تحلم بالمستحيل، وتقبض على جمرة المنافسة بشراسة، حتى آخر نفس.

نشأت وردة محمد فتوكى فى بيئة مؤهلة تماماً لصناعة نجمة فى عالم الغناء، إذ ولدت فى باريس، عاصمة النور والثقافة، لأب جزائرى يمتلك نادياً ليلياً فى فرنسا، رواده العرب المهاجرون الذين يأتون لسماع أغنيات أم كلثوم وعبدالوهاب بأصوات بعض الجزائريين فى المهجر، وبينهم الصادق ثريا، الذى التفت مبكراً إلى خامة صوت ابنة صاحب النادى، التى كانت تأتى بصحبة والدتها اللبنانية لقضاء الأمسيات هناك.

نقل «الصادق» إلى الأم حلم النجومية التى تنتظر ابنتها، فصعدت «وردة»، وهى دون الخامسة، إلى المسرح لتشدو بأعمال أسمهان وليلى مراد، وهمس «الصادق» فى أذن الأم بأن الغناء فى باريس بالعربية لا مستقبل له، فكان قرارها بالعودة إلى لبنان، لتبدأ الفتاة التى كانت على أعتاب المراهقة، مشواراً مع الغناء لم ينته إلا مع آخر نبضة فى قلبها.

عندما أتت إلى القاهرة، كان لاسم الجزائر سحر خاص فى مصر، سمح لـ«وردة» ابنة الحادية والعشرين بأن تقف أمام كاميرا السينما بطلة لفيلم ألمظ وعبده الحامولى، لتقيم بعده فى القاهرة سنوات قليلة، قبل أن تغادر إلى بلدها الجزائر، لتتزوج أحد المجاهدين، وتنجب ابنيها رياض ووداد، وبدت الأمور وكأن المشوار انتهى.

وفى احتفالات الجزائر بعيد استقلالها طُلب منها الغناء، وكان الثمن أن تغادر منزل الزوجية إلى الأبد، فدفعته راضية لتبدأ مرحلة أخرى من مشوارها ارتبطت خلالها فنياً وإنسانياً بعبقرى النغم الراحل بليغ حمدى، الذى قدم لها ومعها عشرات الأغانى الوطنية والعاطفية، التى جعلتها على قمة المشهد الغنائى، وأعادتها روح المقاتل إلى المشهد بقوة فى أوائل التسعينيات، لتصبح هى الناجى الوحيد فى فترة الانقلاب الموسيقى، وسيطرة ما عرف وقتها بـ«موسيقى الجيل».

علاقة «وردة» بالسياسة والسياسيين لا يمكن إغفالها، أو اختصارها فى سطور، لكن المؤكد أنها اقتربت من السلطة، فأصابها الكثير من الضوء، وطالتها أحياناً شائعات كادت تقضى على مستقبلها الفنى، لكنها استمرت فى الغناء إلى آخر نفس، وصورت منذ شهر تقريباً دويتو غنائياً يجمعها بعباد الجوهر.

فى منزلها المطل على نيل القاهرة، رحلت وردة الجزائرية، عربية الشهرة والانتشار، وعقب الصلاة على جثمانها، غادر فى طائرة رئاسية، ليحتضنها تراب وطن لم تولد فيه، ولم تعش بداخله إلا سنوات قليلة من عمرها، لكنها أبداً لم تتخل عن عشقه والاعتزاز به


محسن محمود

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire