قال اللواء عمر سليمان إن المشكلة الأولى التى تواجه مصر حاليا تتمثل فى صعود التيار الإسلامى. لذلك فإنه لم يستبعد حدوث انقلاب عسكرى فى مصر فى حالة تولى الإخوان المسلمين السلطة فى البلد، وهو ما اعتبره المشكلة الثانية. وفى السياق ذكر أن الإخوان يعدون أنفسهم عسكريا، وأنه خلال سنتين أو ثلاث سيكون لديهم حرس ثورى لمحاربة الجيش، من ثم ادعى أن مصر مهددة بخطر الدخول فى حرب أهلية كتلك التى شهدها العراق.
هذا الكلام نقله عنه الأستاذ جهاد الخازن فى جريدة «الحياة» اللندنية، التى نشرت له على مدى ثلاثة أيام تفاصيل لقائه مع رئيس جهاز المخابرات السابق (فى 20 و21 و22 مايو)، ولم يصدر عن الرجل أى تكذيب أو تصويب لما نسب إليه، الأمر الذى يعنى أن علينا أن نتعامل مع ما نشر على لسانه باعتباره معلومات وحقائق صدرت عن الرجل فعلا.
توقيت نشر الحوار مهم، لأنه ظهر مباشرة قبل التصويت على المرشحين للانتخابات الرئاسية. والحلقة الأخيرة منه نشرت قبل 24 ساعة من بدء التصويت، وختمها الكاتب بعبارة مستوحاة من آراء اللواء سليمان، قال فيها ما نصه: «إن انتخاب مرشح إسلامى رئيسا لمصر سيكون كارثة على الديمقراطية والسلم الأهلى. وأرجح فوز هذا المرشح، فيتبعه انقلاب عسكرى».
توقيت نشر الحوار بهذا المضمون لا يبدو أنه مصادفة، ولكنه يوجه رسالة إلى الجميع فى داخل مصر وخارجها تحذر وتخوف وتهدد باحتمال وقوع انقلاب عسكرى. إذا وقع المحظور، وابتسمت الأقدار لـ«المحظورة» فى الانتخابات.
الملاحظة الأخرى أن اللواء سليمان الذى ظل على ود شديد مع الإسرائيليين، اعتبر الإسلاميين هم خصومه الشخصيون، وظل فى ذلك ملتزما بمنطق ومفردات خطاب مبارك ونظامه، الذى تعامل مع مجمل التيار الإسلامى باعتباره يضم حفنة من الأشرار، الذين يتعين إقصاؤهم واستئصالهم.
الملاحظة الثالثة انه فى انتقاده للإخوان والتيار الإسلامى لجأ إلى التخويف والترويع للمصريين فى الداخل وللعالم الخارجى أيضا. فتحدث عن إصدار البرلمان لقوانين تعيد المرأة إلى البيت وتخفض من حضانة الأطفال ومن سن زواج الفتيات. كما تحدث عن عودة جماعات العنف والتكفير والهجرة، التى ذكر أن انفتاح الحدود مع ليبيا والسودان سيمكنها من الحصول على السلاح. وفى تخويفه للخارج قال إن من شأن تنامى التيار الإسلامى أن تصبح مصر فى نظر الغرب دولة مصدرة للإرهاب «ألعن من باكستان وأفغانستان» ــ هكذا قال ــ وستخسر علاقتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، الأمر الذى يهدد بحصار مصر وقطع المساعدات عنها.
إذا وضعت هذه المعلومات إلى جانب كلام الرجل عن الاستعدادات العسكرية التى يقوم بها الإخوان «لتشكيل حرس ثورى يحارب الجيش» ــ وهذا بلاغ خطير إذا أخذ على محمل الجد ــ ستجد أن الرجل تحدث بلغة ومعلومات مخبر فى أمن الدولة من الدرجة الثالثة. أعنى انها اللغة التقليدية والنمطية المسطحة والمبتذلة، التى لا تليق برجل أمضى نحو عشرين عاما على رأس جهاز المخابرات العامة. ذلك أن المسئولين فى الإدارة الأمريكية قالوا كلاما أصوب وأفضل منه بكثير. وأستحى أن أقول أن ما قاله يطابق تماما ما يقوله المتطرفون فى الحكومة الإسرائيلية. والذى يراجع تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلى أفيجدور ليبرمان بخصوص الموضوع ذاته خلال الأسبوع الأخير، لن يجد فرقا كبيرا بينها وبين ما صدر عن اللواء سليمان.
الملاحظة الرابعة أن صاحبنا أقنع الكاتب ــ الأستاذ جهاد الخازن ــ بأنه حين تقدم للترشح لرئاسة الجمهورية فإن الإسلاميين وحدهم هم الذين عارضوه، وهددوا باستخدام العنف لمنعه، إدراكا منهم بأنه صاحب الحظ الأوفر فى الفوز. وقد استغربت أن الأستاذ الخازن صدق هذا الكلام، ولم ينتبه إلى أن ترشحه كان صدمة لكل الوطنيين فى مصر، لأنه أكثر من الفريق شفيق تمثيلا للنظام السابق وتجسيدا للكابوس الذى عانت منه مصر طوال 30 عاما.
الملاحظة الخامسة إن اللواء سليمان قال للخازن إنه تعرض لمحاولة اغتيال يوم 30 يناير من العام الماضى. وفى حواره سمى الطرف الذى يتهمه بتدبير المحاولة، ولكن الكاتب احتفظ بالسر لنفسه. وتلك معلومة مهمة تم نفيها فى حينها، ولا أجد سببا لكتمانها وإغلاق ملف التحقيق فى الموضوع كما ذكر هو. ولا أستبعد أن يكون تسريبها فى الوقت الراهن محاولة من جانب الرجل لإقناعنا بأنه كان مستهدفا لأنه كان متعاطفا مع الثورة.
لقد ظل اللواء سليمان محتفظا بهيبته ومكانته طوال السنوات التى ظل فيها صامتا، لكنه حين تكلم فإنه أساء إلى نفسه وشوه صورته، وسمح لنا أن نجد تفسيرا معقولا لخيبات مبارك وبؤس نظامه
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire