mardi 29 mai 2012

الانتخابات المصرية في جولة الإعادة: سيناريوهات وتحالفات

محاولات لانقاذ ثورة مصر

محاولات لانقاذ ثورة مصر

دخل الاستقطاب السياسي مرحلة نوعية جديدة في مصر، بعد رفض اللجنة العليا للانتخابات كل الطعون التي قدمت إليها، وبالتالي انفتح باب التحليل على مصراعيه بخصوص السيناريوهات المحتملة للتفاعل بين الكتل الثلاث المكونة للمشهد السياسي المصري الراهن: السلطة الحاكمة، الإسلام السياسي، والكتلة الثورية.

تنحصر المنافسة رسمياً في جولة الإعادة بين المرشح الإخواني محمد مرسي ومرشح النظام أحمد شفيق، ما يكوّن صورة نهائية لطرفي الصراع الانتخابي. وبعد تكوّن هذه الصورة النهائية يبدو واضحاً أن كلا المرشحين سيدخل جولة الإعادة وفي جيبه النسبة التي أحرزها في الجولة الأولى وقدرها ربع الأصوات تقريباً. وسيتعين عليهما البحث عن أصوات إضافية تعزز موقعيهما في السباق النهائي، وبالتالي سيحاول كلاهما الدخول في مفاوضات شاقة ومعقدة ـ بدأت بالفعل - مع الأطراف السياسية الأخرى، للفوز بكتلهم التصويتية.
تبدو كتلة صباحي (2.6%) بيضة القبان في حسم المعركة الانتخابية، نظراً لأن كتلتي المرشحين الإسلاميين عبد المنعم أبو الفتوح (17.6%) ومحمد سليم العوا (1%) تبدوان محسومتين لمرسي، بينما كتلة عمرو موسى (11%) في طريقها المنطقي إلى شفيق.
وسيرتهن مصير مرسي وشفيق بالوصول إلى صفقات سياسية مع صباحي، وسيبحر مرسي في بحر الإعادة المضطرب بشراع "الثورة في مواجهة الفلول"، فيما سيفرد شفيق مظلة "الدولة المدنية في مواجهة الدولة الدينية".
هناك جزء ثابت في المشهد، وآخر غاطس سيحسم السباق. كيف يبدو الجزء الثابت من المشهد؟ وما هي سيناريوات التحالفات المحتملة؟

النصف الأول الثابت من المشهد
تميل الكتلة التصويتية لأبو الفتوح - في معظمها - إلى مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي، بالرغم من الخلافات بين أبو الفتوح وجماعة "الإخوان" بعد انفصاله عنها العام الماضي، بسبب تمسكه بالترشح لرئاسة الجمهورية. تقليب النظر في كتلة أبو الفتوح التصويتية يظهر قدراً كبيراً من التجانس بين مكوناتها، إذ تتكون غالبيتها العظمى من ناخبين ذوي ميول دينية معادين للنظام السابق. وتعد الأحزاب التالية أبرز الداعمين لأبو الفتوح: "حزب التيار المصري" (شباب "إخواني" منشق عن الجماعة الأم)، "حزب الوسط" ذو الجذور الإسلامية، حزب النور السلفي، والدعوة السلفية. ويترتب على ذلك أن البناء العام لهذه الكتلة يقوم على دعامة أساسية تتمثل في معاداة النظام السابق "الفلول"، عبر تقديم نموذج للإسلام السياسي أكثر انفتاحاً على المجتمع والقوى السياسية المختلفة.
وانعكس ذلك على الخطاب السياسي والإعلامي لأبو الفتوح وحملته الانتخابية؛ حيث ظهر بوضوح أن التناقض الرئيسي وفقاً لهذه الكتلة يكمن بين الثورة وفلول النظام السابق، فيما يبقى الاختلاف مع بعض أطروحات جماعة "الإخوان" خلافاً ثانوياً. ويزيد من صدقية هذه الفرضية أن عبد المنعم أبو الفتوح بادر في الأيام القليلة الماضية، بعد خسارته في الجولة الأولى من الانتخابات، بتحركات نشطة في اتجاه رص صفوف القوى الوطنية وراء محمد مرسي. ويعني ذلك أن كتلة أبو الفتوح (17.6%) تبدو محسومة في غالبيتها العظمى باتجاه التصويت لمرسي في جولة الإعادة، ما يضيف إلى مرسي ما نسبته حوالي 15% إضافية من الأصوات. أما النسبة الصغيرة (2.6%) فهي موزعة على اتجاهات ثورية ليبرالية ويسارية متفرقة، غالبا ما ستميل إلى المقاطعة. وإذا أضفنا أيضاً الكتلة التصويتية لمحمد سليم العوا (المرشح الإسلامي الثالث في الانتخابات) والبالغة 1% من الأصوات، فبالتالي يمكن تقدير النسبة المتوقعة لمرشح "الإخوان المسلمين" بحوالي 41% من الأصوات.

النصف الثاني الثابت من المشهد
يحظى شفيق بدعم موضوعي من الغالبية العظمى من كتلة عمرو موسى التصويتية والبالغة 11%، باعتبارهما معاً يمثلان النظام السابق، ويعبران عن شبكة المصالح الداخلية والإقليمية نفسها وذات التركيبة الاقتصادية - الاجتماعية. ويرسخ هذا التقدير تشابه الخطاب السياسي لكليهما؛ والذي يعلي مصطلحات "الاستقرار" و"إصلاح النظام من الداخل" على ما سواها من اعتبارات. وفق هذا المقتضى، ستذهب نسبة تدور حول 9% إضافية إلى شفيق -من بينهم نسبة محدودة من الأقباط - حتى من دون تأييد مباشر من عمرو موسى، الذي دخل قبيل الانتخابات في ملاسنات إعلامية مع شفيق. يتبقى من كتلة موسى حوالي 2% من الأصوات، لن تصوت بالضرورة لمصلحة شفيق، إذ اختارت موسى اعتقاداً منها بأنه غير لصيق بالنظام السابق مقارنة بشفيق، فضلاً عن تأثرها بالخطاب الإعلامي لموسى في ما يخص إسرائيل. ويتوقع أن يحصل شفيق أيضاً على نسبة إضافية قدرها 1% تمثل أصوات الشباب القبطي، الذين صوتوا لصباحي في المرحلة الأولى. ومن المعلوم أن الغالبية الكاسحة من الأقباط (8-10% من الهيئة الناخبة) صوتوا بالأساس إلى شفيق (75% من الأقباط) ثم بمسافة واضحة إلى عمرو موسى (حوالي 15% منهم)، فيما صوّت معظم شباب الأقباط (10% من أصوات الأقباط الكلية) إلى صباحي. بالتالي يكون مجموع الأصوات التي يدخل بها شفيق مرحلة الإعادة حوالي 35% من الأصوات.

يتأسس على نصفي المشهد الثابتين الحقائق التالية:
1- يدخل مرسي جولة الإعادة ورصيده الثابت من الأصوات يبلغ حوالي 41% مقابل ما نسبته التقريبية 35% رصيداً ثابتاً لشفيق.
2- لا يتمتع أي من المرشحين بكتلة ثابتة تؤهله للفوز بدورة الإعادة، بالرغم من توقع انضمام أبو الفتوح والعوا إلى مرسي مقابل تحالف موسى وشفيق.
3- أمست كتلة صباحي بيضة القبان في حسم السباق الانتخابي.

السيناريو الأول: مرسي وأبو الفتوح وصباحي
وصلت جهود عبد المنعم أبو الفتوح في الأيام القليلة الماضية إلى حد القيام بدور الوسيط بين "الإخوان المسلمين" وحمدين صباحي، عبر دعوة الأخير إلى لقاء في منزله لتكوين "جبهة وطنية" في مواجهة مرشح الفلول يجمع مرسي وصباحي، إلا أن الأخير اعتذر عن ذلك. قد يكون من التسرع تأويل هذا الاعتذار المبكر من حمدين صباحي باعتباره رفضاً نهائياً للتفاوض مع "الإخوان المسلمين"، والأرجح أن تفسيره هو رغبة صباحي في التأني قبل الموافقة على لقاءات كهذه للحصول على مكاسب تفاوضية. ويستند هذا التفسير إلى العلاقات التي تجمع حزبي "الكرامة"، الذي ترأسه حمدين، وجماعة "الإخوان المسلمين" والتنسيق السياسي بينهما، والذي يعود إلى الانتخابات البرلمانية في العام 2005 على الأقل، وامتد بعد الثورة وصولاً إلى التحالف في الانتخابات البرلمانية في العام 2011 تحت لافتة "التحالف الديموقراطي".
يأمل مرسي الحصول على تأييد حمدين صباحي وكتلته التصويتية (20.6%) أو حتى نصفها، فيحصل بذلك مع أصوات كتلتي أبو الفتوح والعوا على الغالبية المطلوبة للفوز بالرئاسة، فيتولى "إخواني" مقعد رئاسة الجمهورية المصرية لأول مرة في تاريخها.

السيناريو الثاني: شفيق وصباحي
من الطبيعي أن يحاول شفيق الانفتاح على صباحي محاولاً استمالته، نظراً لقدرة الكتلة الثورية التي يمثلها على ترجيح كفة شفيق، نظرياً. قدم شفيق بالفعل في اليومين السابقين إلى صباحي، وفقاً لمعلومات مؤكدة، عرضاً يحصل الأخير بمقتضاه على منصب نائب الرئيس وحصة وزارية من أربعة وزراء، فضلاً عن التعهد بتنازل شفيق لصباحي عن الرئاسة بعد سنتين. ويعود "سخاء" العرض إلى حراجة موقف شفيق (35%) في مواجهة مرسي (41%)، وضعف فرص خطابه التجميعي في إقناع أنصار الثورة وكسب أصواتهم. لم يفد شفيق كثيراً تأكيده بعدم رغبته في إعادة إنتاج النظام السابق، ولا وعده بإرجاع الثورة لأصحابها من "مختطفيها"، ولا يزال التناقض الأساسي مع الثورة وشبابها مخيماً على المشهد. يدرك شفيق أن تحويل خطابه السياسي باتجاه المصالحة مع الثورة يبدو مرتهناً بالتحالف مع صباحي، وهنا سيكون الثمن المطلوب من حمدين ليس فقط الأصوات، ولكن أيضاً غسل سمعة شفيق. يبدو هذا السيناريو نظرياً أكثر منه واقعياً كونه مكلفاً للغاية لصباحي من الناحية السياسية، ما قد يقوّض شرعيته السياسية الجديدة كرمز للثورة بعد الجولة الأولى من الانتخابات.

السيناريو الثالث: مقاطعة صباحي للانتخابات
ينزل حمدين صباحي ـ وفقاً لهذا السيناريو - على رغبة شرائح واسعة من كتلته التصويتية، خاصة الشباب الغاضب من "تواطؤ" الإخوان ضد الثورة، بمقاطعة الانتخابات. ويدعم هذا الاحتمال أن ملامح مشروع سياسي جديد لصباحي ترتسم في الأفق، استثماراً لحالة الزخم الجديدة التي يتمركز في قلبها الآن. مع ملاحظة أن إعلان صباحي للمقاطعة لا يترتب عليه بالضرورة التزام كامل كتلته التصويتية بقراره، خاصة أن كتلته سائلة تضم خليطاً من الوطنيين والقوميين واليساريين والليبراليين، فضلاً عن أصوات الاحتجاج على السياسات الاجتماعية للنظام. وبالتالي فإن جزءاً لا يستهان به من هذه الكتلة قد يرجح الاضطرار للتصويت مع مرسي، منعاً لعودة الفلول.

خيارات شفيق
سيعمد شفيق، ومن ورائه جهاز الدولة الداعم والتشكيلة الاقتصادية - الاجتماعية التي يمثلها، إلى استغلال أكثر للتفوق الإعلامي والمالي الذي يحظى به في مواجهة مرسي لتعويض الفارق بينهما. سيكون الهدف الأساسي لشفيق متمثلاً في رفع نسبة المشاركة في جولة الإعادة، بهدف تذويب التأثير النسبي للكتل الإسلامية المنظمة، على خلفية تدني نسبة المشاركة في الجولة الأولى، والتي لم تتجاوز 46.4% فقط.

خيارات مرسي
سيحاول مرسي استقطاب المزيد من الأصوات السلفية، خصوصاً أن بعضها صوّت بالفعل لأبو الفتوح في الجولة الأولى، كما أن بعضها الآخر لم يذهب إلى صناديق الاقتراع، لعدم وجود مرشح سلفي بين المتنافسين. في هذا السياق سيكون حازم صلاح أبو إسماعيل، الذي استبعد من الترشح ويحظى بتأييد واسع بين السلفيين، مفتاحاً انتخابياً مؤثراً لمرسي في جولة الإعادة.
ومن المتوقع أن يحشد "الإخوان المسلمون" الشارع المصري على خلفية الحكم المتوقع على الرئيس المخلوع مبارك يوم 2 حزيران المقبل، والذي لن يخرج عن أحد احتمالين: صدور حكم سيعتبره أنصار الثورة مخففاً وغير مرض أياً كان محتواه، أو صدور قرار بالمزيد من التأجيل تحسباً للعواقب الشعبية. وفي كل الأحوال سيدفع ذلك إلى استعادة مناخ الاستنفار الثوري ضد الفلول، ما سيستثمره الإخوان لتأكيد التماهي بين صورة شفيق ومبارك.

2012 © جريدة السفير

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire