بقلم : محمد ماضي - واشنطن- swissinfo.ch
بعد عامٍ من اندِلاع الثورة في مصر، لا زالت عملية إدارة المجلس الأعلى للقوات المسلحة تتعرّض لانتقادات واسِعة في أوساط الثوار، خاصة من الشباب، لاستمرار الفراغ الأمني وما يروْنه محاكمات صُورية لرُموز النظام السابق..
.. إضافة إلى عدم تحقيق العدالة فيما يتعلّق بحقوق ضحايا استِخدام العنف لقتل وإصابة المتظاهرين والتباطُـؤ الشديد في إصلاح أجهزة القمْع، خاصة الشرطة وقوات الأمن، وعدم وجود دلائِل واضحة على أن أخطاء وانتهاكات النِّظام السابق قد توقّفت بعدَ الثورة.
وبالرجوع إلى تجارب الشعوب الأخرى في التعامل مع عملية التحوّل الديمقراطي بعدَ عقود من الدكتاتورية وانتهاكات حقوق الإنسان، يرى الخبراء أن المشكلة الأساسية التي مرّت بها الفترة الانتقالية في مصر، هي أن المجلس العسكري الحاكم أخفَق في اتِّباع ما يُـسمى بآليات العدالة الانتقالية، وهي:
أولا، الملاحقات القضائية لأكثر رموز النظام السابق تحمُّلا للمسؤولية عن انتهاكات حقوق الإنسان في الماضي.
ثانيا، تعويض المتضرِّرين من تلك الانتهاكات والاعتِذار عمّا حدث لهم في الماضي.
ثالثا، تشكيل لجان الحقيقة لمعرفة أسباب انتهاكات الماضي وضمان عدَم تكرارِها في المستقبل.
رابعا، إصلاح المؤسسات التي شاركت في القمع في الماضي، كالشرطة وأجهزة الأمن وكذلك إصلاح القضاء.
الخطأ الإستراتيجي للثوار
استطلعت swissinfo.ch تقييم الدكتورة ميشيل دان، مديرة برنامج الشرق الأوسط بالمجلس الأطلسي في واشنطن والمسؤولة السابقة بوزارة الخارجية الأمريكية للمرحلة الإنتقالية منذ الحادي عشر من فبراير 2011، يوم تنحّي الرئيس مبارك، فقالت إن ثوار مصر وقَعوا في خطإٍ استراتيجي، عندما اختاروا تسليم مقاليد الأمور للمجلس الأعلى للقوات المسلحة بمجرّد نجاحهم في إسقاط مبارك، بدلا من أن يواصلوا ثورتهم حتى تحقيق أهدافِها. وقالت إن هذا الخطأ سمح للِـوَاءات المجلس العسكري، الذين يفتقرون إلى الحِنكة والخِبرة السياسية، بالوقوع في عدد من الخطايا:
أولا، الإخفاق الشديد في إصلاح الشرطة وأجهزة الأمن الداخلي، مما أدى إلى ارتفاع معدّل الجريمة وعدم الأمان
ثانيا، أدّى الفراغ الأمني إلى تدهْـورٍ سريعٍ في الاقتصاد المصري، حيث غابت عنه الإستثمارات من الداخل والخارج وانقطعت موارِد السياحة لغياب الأمان.
ثالثا، التخبُّـط في اتِّخاذ القرارات. فبعد تجمل المجلس العسكري بارتِـداء زيِّ الوطنية والقومية ورفض عروض من صندوق النقد الدولي بتقديم قروض ميسَّـرة لدعم مصر بعدَ الثورة، عاد ليطلب تلك القروض بعدَ أن أدّى فشله الأمني وسوء إدارته للاقتصاد واستنزاف مُعظم رصيد مصر الإحتياطي من العُملة الأجنبية، ليتجنب كارثة مالية قد تؤدّي لانهيار الجنيه المصري.
رابعا، أخفق المجلس العسكري من البداية في إشراك المدنيين في صُنع القرار، فيما يتعلق بمراحل الانتقال السياسي، مما أسفر عن غموض ملامح ذلك الانتقال وعدم التوصّل إلى توافُق حوله أو حول الدستور الجديد، مما أشاع الارتباك، كما لم يوضِّح المجلس العسكري طبيعة دوْر القوات المسلحة في مصر، فيما بعد انتقال السلطة.
خامسا، أظهر المجلس العسكري عدَم فهْـمه لأهمية المُشاركة المجتمعية من خلال منظمات المجتمع المدني في عملية التحوّل نحو الديمقراطية، بشنِّـه هجمة غيْر مسبوقة على تلك المنظمات، متعللا بحصول بعضها على تمويل خارجي بدون ترخيص.
البروفيسور ناثان براون،
تقييم العدالة الانتقالية على أيْدي العسكر
أما البروفيسور ناثان براون، أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج واشنطن، فيرى أن أبرز خطايا المجلس العسكري والتي كان لها مفعول السِّحر في عرْقلة المرحلة الانتقالية، هو فشل المجلس الذريع في إصلاح أجهزة الشرطة، بحيث يتمّ تطوير مفهومها للخِدمة، من مجرّد خدمة السلطة والنظام إلى مفهوم خِدمة الشعب والمجتمع بأسْـره، وكذلك فيما يتعلّق بالملاحقة القضائية لرموز النظام السابق، حيث تمّ تجاهل مُعظم التُّـهم المتعلِّـقة بانتهاكات الرئيس المخلوع مبارك وأعوانه لحقوق الإنسان وتقليص تلك الاتهامات، لتشمَل عددا قليلا من تلك الانتهاكات، بالإضافة إلى استغلال النفوذ في التربح. وقال إن المحاكمة تجري أمام محكمة عادية بدلا من محكمة خاصة، عادة ما يتم تشكيلها بعد قيام الثورات.
وفي معرض تلخيص تقييمه لأداء المجلس العسكري خلال عام بعد الثورة المصرية وحصول الإخوان المسلمين على أكثرية مقاعد البرلمان، قال البروفيسور براون: "حتى الآن، خالف المجلس العسكري الحاكم كل ما تُوصي به كُـتب التحول نحو الديمقراطية من خطوات، ويتعيَّـن عليه في المرحلة المقبلة أن لا يُحاول انتِهاج النموذج التركي، الذي احتفظ من خلاله جنرالات الجيش لعقود طويلة بنفوذ سياسي هائل، باعتبارهم حماة الدستور العِلماني، كما يتعين أن لا يحاول الإخوان المسلمون من خلال حصولهم على أكبر نِسبة من مقاعد مجلس الشعب المصري إعادة صياغة النظام السياسي المصري ليتَـناسَب مع رؤيتهم الخاصة، بل اتباع النموذج التونسي في التحوّل الديمقراطي، حيث اختارت الأغلبية المنتمية للإسلاميين أن تعمَل عن كثَب مع القوى السياسية الأخرى، التي لا تنتمي للتيار الإسلامي، بدلا من أن تحاول أن تُـلقي بثِـقلها على العملية السياسية".
في المقابل، يرى دانيال برومبرغ، كبير مستشاري معهد السلام الأمريكي في واشنطن، أن المجلس العسكري وقَـع في خطيئة كُـبرى، عندما خسِـر المساندة الشعبية للجيش بلجوئه لقمْع المظاهرات وقال: "بدلا من تعويض المتضرِّرين من انتهاكات حقوق الإنسان في عهد مبارك، استمرت انتهاكات حقوق الإنسان المصري خلال الفترة الانتقالية تحت حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية، مما خلق فجْوة من عدَم الثِّـقة بين الثوار والمجلس، بل وأدّت إلى تِكرار اندِلاع المواجهات واستِخدام العنف، وبعكس الحالة التونسية، حيث خرج الجيش نظيف اليديْـن، لم تعُـد نظرة المصريين للجيش كمنقذ بديل لقوات الأمن التي قمعت الشعب في الماضي، كما أن محاكمة الرئيس المخلوع مبارك تبدو إلى حدٍّ كبير، مسرحية سياسية أراد المجلس العسكري استخدامها لكسْب الشعبية، ولكن لم يُـفلح في تحقيق ذلك الهدف، فيما يحاول لواءات المجلس العسكري تحويل مسار الثورة باتِّجاه مصالحهم، وليس نحو ما يريده الشعب المصري. وأدّى عدم إصلاح أجهزة الأمن إلى حالة من الفراغ الأمني التي أسهمت في تفاقُـم الأزمة الاقتصادية بشكل بات يهدِّد استقرار البلاد".
من جنيف، يتفق السيد هاني مجلي، رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدى مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان مع هذا التحليل ويقول في اتصال هاتفي مع swissinfo.ch: "بعد عام من الثورة، يشعر كثير من المصريين أن المجلس العسكري الحاكم يتجاهَـل مطالبهم، وكان من الأفضل أن يُـدرك لواءات المجلس أنه فيما يتعلّق بأولويات تطبيق آليات العدالة الانتقالية، يجب الإستماع لِـما يقوله الشعب ومعرفة هل يفضِّـل الشعب أن تكون الأولوية هي العدالة الناجزة في محاسبة رموز النظام السابق أم إصلاح الشرطة والنظام القضائي أم تعويض المصابين وأسَـر الشهداء؟ لأنه لن يُـمكن توفير الاستقرار المنشود، دون تنفيذ آليات العدالة الانتقالية، والتي يصعُـب عادةً تنفيذها في آن معا، وإنما بأولويات يحدِّدها الشعب".
السيد هاني مجلي،
هل يطلق العسكر سراح مصر بعد الثورة؟
في السياق نفسه، ينصح السيد هاني مجلي، المجلس العسكري بأن يُـعيد ترتيب أولويات آليات العدالة الانتقالية بحسب الرَّغبة الشعبية وأن لا يحاول أن يحكُـم مصر من وراء الكواليس بعدَ انتخاب رئيس جديد للبلاد في شهر مايو 2012، لأن مثل تلك المحاولة، سبق وقام بها الجنرالات في بيرو وأسفرت عن تعثُّـر التحوّل نحو الديمقراطية لمدّة زادت على عشرة أعوام. وبالنسبة للإخوان المسلمين، الذين أصبحوا يشكلون أكبر كُـتلة برلمانية في مجلس الشعب المصري، يتعيَّـن عليهم التعاون مع كافة القِـوى السياسية الأخرى وعدم استِـبعاد أي تيار سياسي، لضمان الانتقال السَّـلِـس نحو الديمقراطية في مصر.
الدكتور دانيال برومبرغ، كبير مستشاري معهد السلام، يتفق معه في هذه النصيحة، ويقول: "يتعين على المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية أن يظهر رغبة واضحة في تسليم السلطة بالكامل إلى البرلمان والرئيس المصري المُـنتخَـب، ويترك للبرلمان مهمّة انتخاب اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور الجديد، ولكن نظرا لأن القوات المسلحة كان لها دور خاص في مصر منذ ثورة عام 1952 وتمكَّنت من الحصول على امتيازات اقتصادية سخِية في العقود الأخيرة، فإن لواءات المجلس العسكري لا يريدون أن يؤدّي انتقال السلطة إلى المدنيين إلى حِرمان الجيش من تلك الميزات، وسيحتاج الأمر في مصر إلى عملية مساومة بين القوى السياسية وبين المجلس العسكري، لتوفير بعض الضمانات للقوات المسلحة. وإذا تمكّن الإخوان المسلمون من تشكيل الحكومة القادمة، فسيتعيَّـن عليهم التنازُل عن بعض الامتيازات للقوات المسلحة".
أما الدكتورة ميشيل دان، فترى أنه مع التسليم بأن القوات المسلحة المصرية ستواصل القيام بدورٍ ما في السياسة المصرية لبعض الوقت، فإن السؤال المطروح بشدّة الآن هو: هل سيتقلّص ذلك الدور بمرور الزمن وتولى حكومة مدنية مُنتخبة للسلطة أم سيحافظ العسكريون على دورهم الكبير في السياسة المصرية لسنوات طويلة قادمة؟ وهو ما سيحمِل في طيّاته خطرا على الديمقراطية الوليدة في مصر.
الدكتورة ميشيل دان،
مَن سيحكُم مصر بعد الثورة؟
الدكتورة ميشيل دان، ترى من جهتها أن الساحة السياسية في مصر بعد الثورة، تتنازعها أربع قِوى رئيسية هي: العسكر والإسلاميون وثوار الميادين وفلول النظام السابق أو ما يُـعرف بالثورة المضادّة، ويبدو حاليا، أن للعسكر والإخوان المسلمين اليَـد العُليا، ولذلك، سيحاول الإسلاميون، وخاصة الإخوان المسلمين، اختبار صَلابة المجلس العسكري في التَّـنافس على النفوذ السياسي، اعتمادا على أكثرية الإخوان في البرلمان، كما سيحاول ثُـوار الميادين استخدام الضّغط الشعبي، لتقليص نفوذ المجلس العسكري فيما بعدَ انتهاء المرحلة الانتقالية.
غير أن الدكتورة دان ترى أن المجلس العسكري والإخوان المسلمين، يجمعهما هدف واحد فيما يتعلق بالرئيس القادِم لمصر، فكِـلاهما يتطلّع إلى مرشح يتعاطَف مع موقِفهم، ولكن لا يكون قويا بالقَـدر الذي يسمَح له بأن يناطِح نفوذهم لكي يمكن للإخوان والعسكر التحكّم فيه بعد نقل السلطة: "لذلك، رأينا الإخوان يرفضون مسانَدة المرشحين الإسلاميين الثلاثة للرئاسة: الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح والدكتور سليم العوا وحازم أبو إسماعيل، ويبدو أن كُلاّ من الإخوان والمجلس العسكري، لا يساندون ترشيح عمرو موسى، لأنه يتّسم بشخصية كاريزمية قوية وشعبية كبيرة، لا يريدها الطرفان للرئيس المصري القادم".
وخلصت ميشيل دان إلى القول، بأن الإخوان كذلك تعهّدوا بعدم مُساندة أي مرشح من خلفية عسكرية، مثل الفريق أحمد شفيق واللواء عمر سليمان، وبالتالي، فلا توجد احتمالات قوية لأن يُـصبح أي منهما الرئيس القادم لمصر، خاصة في ضوء الفشل الذّريع للفريق أحمد شفيق كأول رئيس للوزراء بعد الثورة وعدم وجود قاعِدة شعبية أو سياسية للواء عمر سليمان، ناهيك عن أنه ظلّ حتى آخر لحظة قريبا ومُـقرّبا جدا من الرئيس المخلوع.
وتخلص الدكتورة دان إلى أنه، نظرا لعدم رضا الإخوان والمجلس العسكري عن قائمة الأسماء التي يُـحتمل ترشحها لانتخابات الرئاسة حتى الآن، فقد يكون الرئيس القادم لمصر لم يظهر بعدُ، وقد يكون المفاجأة التي تحملها الأسابيع القادمة بعد فتح باب الترشح رسميا في العاشر من شهر مارس القادم.
محمد ماضي - واشنطن- swissinfo.ch
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire