vendredi 10 février 2012

حكاية نظام استمر 30 سنة وسقط في 30 ثانية

صلاح شرابي

30 ثانية هي عمر مدة إلقاء اللواء عمر سليمان نائب الرئيس السابق بيان تنحي مبارك عن حكم مصر ومن ثم انتهاء عصر بدأ في 14 أكتوبر عام 1981 وانتهي 11 فبراير 2011 تولي خلالها «مبارك» السلطة
بعد اغتيال الرئيس أنور السادات بصفته نائب الرئيس بعد ترشيح مجلس الشعب له برئاسة الدكتور صوفي أبو طالب رئيس المجلس في ذلك الوقت.
بدأت مصر عصراً جديداً مع ذلك التاريخ وعلق الشعب المصري آماله وطموحاته بتولي مبارك المنصب خاصة بعد الأجواء التي سبقت ذلك التاريخ ودوره في سلاح الطيران والضربة الجوية وحرب اكتوبر عام 1973 وتحقيق النصر لمصر علي إسرائيل وعودة قطعة غالية إلي حضن الوطن في سيناء وطابا.
وبعيداً عن حالة الضباب التي جاءت بحسني مبارك نائباً للرئيس السادات لكونه لم يكن متوقعاً في ظل ترشيح أسماء أخري للمنصب فإن دور مبارك في الضربة الجوية يحتاج إلي وضوح من البداية وهو أنه من غير المنطق ومالا يقبله عقل أن تختزل حرب أكتوبر في السلاح الجوي فقط وإغفال الأسلحة الأخري ،كذلك الحروب في البر والبحر وفترة الاستنزاف وهو ما حاول إعلام الرئيس المخلوع خداع الناس به علي مدار عقود.
وإذا افترضنا خطأ اختزال نصر أكتوبر في السلاح الجوي فلا يمكن أن نختزل السلاح الجوي بأكمله في ضربة جوية ،وإذا افترضنا خطأ مرة ثانية اختزال السلاح الجوي في الضربة الجوية فمن الغباء أن نختزلها في شخص حسني مبارك.
وحتي نخرج من هذه المعضلة الصعبة وافترضنا صحة كل ما سبق وبراعة الطيار حسني مبارك في ذلك، فعلينا أن نتذكر أن مبارك لم يكن صاحب قرار في هذه الحرب التي خطط لها السادات ومجموعة من القادة العظام مثل الفريق سعد الدين الشاذلي وغيره وإنما كان مبارك ينفذ التعليمات التي لو لم ينفذها لكان العقاب في انتظاره.
من هنا كانت بداية الأزمة في أن نعطي وطناً بأكمله مكافأة لشخص لمجرد أنه نفذ تعليمات وأدي دوره علي أكمل وجه دون أن نشكك في مهارته الحربية.
وبمجرد تولي مبارك للسلطة ترأس الحزب الوطني خلفاً للرئيس السادات لتبدأ مصر فترة من 1981 وحتي 2011 كانت كفيلة لهذا الوطن بالعبور إلي بر الأمان ووضع مصر علي مصاف الدول المتقدمة في جميع المجالات بدلاً من تأخرها وضياع 30 سنة من عمرها.
وشهد عصر مبارك 8 حكومات تم تشكيلها بدأت بحكومة فؤاد محيي الدين « 3 يناير 1982 - 5 يونيو 1984» وحكومة كمال حسن علي «5 يونيو 1984- 4 سبتمبر 1985» ثم حكومة علي لطفي «5 سبتمبر 1985- 9 نوفمبر 1986» وحكومة عاطف صدقي «11 نوفمبر 1986 - 2 يناير 1996» وكمال الجنزوري «4 يناير 1996 - 6 أكتوبر 1999».
وجاءت بعدها الحكومات الأسوأ في عصر مبارك بدأت بحكومة عاطف عبيد «10 أكتوبر 1999 - 9 يوليو 2004» ثم حكومة أحمد نظيف «يوليو 2004 - 29 يناير 2011» وانتهاء بحكومة أحمد شفيق «29 يناير 2011 - 3 مارس 2011» وهي آخر وأقصر مدة حكومة في عهده قبل تنحيه عن رئاسة الجمهورية في 11 فبراير 2011.
30 عاماً و8 حكومات لم يستطع من خلالهم الرئيس المخلوع أن يوفر حياة كريمة للمصريين فشل عبرها في تحقيق العدالة الاجتماعية وإرساء مبادئ العدل والمساواة والشفافية بل أصبح المواطن المصري يشعر بالغربة داخل وطنه بعد أن اغتصبت حقوقه وضاعت مقدرات وخيرات مصر بين اللصوص في الداخل وأعداء الوطن في الخارج.
انهيار التعليم.. وإهدار الثروات خاصة المعدنية والبترولية.. غياب المساواة..انتشار الفساد والرشوة والمحسوبية.. احتكار السلطة والثروة.. تزوير الانتخابات بوليسية الدولة.. قانون الطوارئ.. كلها ملفات لم يتحقق فيها أي تقدم طوال عصر الرئيس المخلوع.
كرس الرئيس المخلوع وحزبه الوطني جهوده لخدم رجال الأعمال الذين نصبهم واحدا تلو الآخر في الحقائب الوزارية وزرع بذور التوريث في غالبية مؤسسات الدولة فأصبح ابن المستشار وكيلاً للنيابة وابن اللواء ضابطاً في الشرطة وابن عميد الكلية معيداً في الجامعة وابن الموظف موظفاً تحت بند أبناء العاملين حتي يكون ابن الرئيس رئيساً دون مناقشة لكنه الحلم الذي تحول إلي كابوس أفزع حياة الأسرة الحاكمة وانتقل بها من قصر الرئاسة إلي زنازين طرة.
ازدادت نسبة البطالة في عهد حكومات الحزب الوطني ونظامه البائد وازداد معها معدلات العنوسة والقفز بمعدلات الجرائم إلي أرقام خيالية لا تقل عن أعداد سكان المقابر وأطفال الشوارع في الوقت الذي دافع فيه النظام عن الخونة وكان حارساً لرجال الأعمال الفاسدين الذين دمروا صحة المصريين وأغرقوا شبابهم في أمواج البحر لتكون جثثهم طعاماً شهياً للأسماك في قاع المحيطات.
وشعر المصريون خلال عهد مبارك ونظامه بأنهم غرباء علي أرض الوطن وتأكدوا أن النظام لم ولن يحترم إرادتهم سواء كان ذلك داخل الصندوق الانتخابي أو خارجه وحرم أبناء مصر من خيراتها في الوقت الذي يصدر فيه النظام الثروات للكيان الصهيوني بأسعار بخسة حتي يضمن البقاء والدعم والتأييد لملف التوريث علي حساب جثة الوطن.
ونظر نظام مبارك لمصر علي أنهم مجرد 40 شخصاً تجمعهم لجنة السياسات بمقر الحزب الوطني أو داخل البهو الفرعوني بمجلس الشعب لتفصيل القوانين علي مقاسه من خلال ترزيته ناسياً متناسياً أن هناك شعبا له إرادة قد يتحمل الصعاب ويصبر عليها ولكن طول صبره يتمدد فينفجر بقدر فترة الصمت وظلمها.
بدأ الشعب المصري ثورته مع قطار الربيع العربي وخرجت المظاهرات في 25 يناير 2011 تطالب بإسقاط النظام وإعلان الاعتصام داخل ميدان التحرير وجميع ميادين مصر حتي أجبر الرئيس المخلوع علي التنحي بعد 18 يوماً فقط من اشتعال مظاهرات الغضب.
وأثبت الشعب المصري خلال ال 18 يوماً أنه قادر علي فرض إرادته في أي وقت ومهما كانت الظروف ومهما بلغ السلطان جبروته ولعل هذه المدة القصيرة التي أسقط فيها الشعب نظاماً ظل في السلطة 30 عاماً أكدت للجميع أن مصر لم يكن بها نظام يحكم لأن النظام في حد ذاته مهما بلغ ضعفه من الصعب إسقاطه في 18 يوما ولكن ما حدث أوصل الرسالة التي أراد الشعب إرسالها للعالم وهي أن مصر كانت تحكمها عصابة وليس نظاما.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire