samedi 25 février 2012

"لجنة إعداد الدستور".. أكبر تحديات برلمان الثورة في مصر

133

تباينت آراء عدد من الخبراء المصريين المتخصِّـصين في الشؤون الدستورية، يمثلون وجهات نظر مختلفة لبعض الأحزاب والقِـوى السياسية في مصر، حول معايير وضوابط اختيار لجنة المائة، التي ستشكِّـل الجمعية التأسيسية، المَـنوط بها إعداد الدستور.

ففيما يوضِّـح خبيرٌ أن الإعلان الدستوري (الحاكم في البلاد) ينُـص على أن البرلمان (بمجلسيه)، هو وحده صاحب الاختصاص ويرفض ثانٍ قيام جهات أخرى بوضع المعايير لجمعية الناخبين، يعتبِـر ثالثٌ أن سبب المشكلة يرجع إلى "القصور الشديد الذي شاب الإعلان الدستوري".
وبعد الفوز الكاسح، الذي حققه الإسلاميون (حزب الحرية والعدالة الإخواني + حزب النور السلفي + حزب الوسط، ذي المرجعية الإسلامية + حزب البناء والتنمية – الجماعة الإسلامية) في انتخابات مجلس الشعب (الغرفة الأولى للبرلمان)، التي انتهت مؤخرا، وحصولهم على أكثر من ثلاثة أرباع المقاعد، ثار الجدل مجددا حول شكل ومعايير وضوابط اختيار الأعضاء المائة، الذين سيكلفهم البرلمان بوضع الدستور، وارتفع صوت مخاوف اللبراليين والعِـلمانيين واليساريين من انفراد الإسلاميين بوضع الدستور.
ورغم رسائل التَّـطمين التي أطلقها الإسلاميون بشتّـى أطيافهم الفِـكرية، لا تزال هناك مخاوف تنْـتاب غيْـر الإسلاميين. وفي محاولة منها لتوضيح الصورة، وكشف ملابسات المشهد السياسي، التقت swissinfo.ch في القاهرة عددا من الخبراء المتخصصين في شؤون الدستور والبرلمان، فكان هذا التحقيق:

الفقيه الدستوري، الدكتور عاطف البنا، أستاذ القانون الدستوري، بكلية الحقوق، جامعة القاهرة، والمستشار القانوني الأسبق لحزب "الوفد"

الفقيه الدستوري، الدكتور عاطف البنا، أستاذ القانون الدستوري، بكلية الحقوق، جامعة القاهرة، والمستشار القانوني الأسبق لحزب "الوفد" (Keystone)

البرلمان صاحب الاختصاص

في البداية، أوضح الفقيه الدستوري، الدكتور عاطف البنّـا أنه "عندما ينُـص الدستور (في حالتنا هذه الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس 2011)، على منح جهة ما، اختصاصا محددا، فليس لأحدٍ غيْـر هذه الجهة، كائِـنا مَـن كان (المجلس العسكري، المجلس الاستشاري، مجلس الوزراء)، أن يُـحدِّد لها المعايير والضوابط الواجب عليها اتِّـباعها، لتسيير العمل الذي كلّـفها به الدستور.
وقال الدكتور البنا، أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق بجامعة القاهرة في تصريح خاص لـswissinfo.ch "المواد الدستورية الثمانية، التي استُـفتِـي عليها الشعبُ في 19 مارس 2011، أعطت الأعضاء المنتخَـبين فقط من مجلسي الشعب والشورى، وعددهم أكثر من 700 عضو، الحق في الاجتماع واختيار 100 عضو، يشكّـلون الجمعية التأسيسية التي ستكلّـف بإعداد الدستور"، معتبرا أن "هذه هي الجهة الوحيدة التي عهد إليها النصّ مُـمارسة اختصاص اختيار الأعضاء المائة، ومن ثَـمَّ، فليس لأي أحد أن يضع لها ضوابط ومعايير يلزمها بها".
وأضاف البنا، عضو لجنة تعديل المواد الدستورية: "بعد ثورة 25 يناير 2011، التي أطاحت بنظام مبارك، جلسنا نفكِّـر (اللجنة).. كيف نضعُ دستورا جديدا لمصر، يُـناسب هذه الثورة المجيدة وهذا الشعب الرائع، بطريقة ديمقراطية؟"، مشيرا إلى أنه "منذ دستور 1923 وحتى دستور 1971، كانت اللجنة التي تضعُ الدستور مُعَيَّنة من السلطة ولم تكن أبدا منتخبة من الشعب".
وتابع: "ولأن الشعبَ أكثر من 80 مليون مصري والشعب هو الذي ينتخِـب البرلمان (مجلسي الشعب والشورى)، فإن المنطِـق يقول إن البرلمان، الذي انتخبه الشعب بحرية وشفافية، وهو المعبِّـر الوحيد عنه، هو الذي يقوم باختيار الأعضاء المائة الذين يشكِّـلون الجمعية التأسيسية، التي تضع الدستور، وهذه الطريقة نسمِّـيها في عِـلم القانون الدستوري، (الإنتخاب على درجتين)".
وأشار البنا، العضو الأسبق بالهيئة العليا لحزب الوفد، إلى أن البرلمان (الحالي) به كل ممثلون من مختلف اتجاهات المجتمع ومن كل الأطياف السياسية والاجتماعية، فيه نواب يمثِّـلون: المسلم والمسيحي، الرجال والنساء، العمال والفلاحين، النقابات المهنية ومؤسسات المجتمع المدني.. إلخ.

الإسلاميون ورسائل التّـطمين

وقال الخبير القانوني الدكتور البنا، إن "القوى الحاصلة على الأغلبية في البرلمان (حزب الحرية والعدالة)، ترسلُ رسائل تطمين للمجتمع كله، تؤكّـد فيها أنها لن تحتكِـر وضع الدستور"، موضحا أن "الإسلاميين ليسوا من أكلة لحوم البشر، وهم مصريون مثل غيرهم، وهم يعلنون ليل نهار أنهم لن يحتكِـروا تشكيل لجنة إعداد الدستور".
واعتبر البنا أن "أول رسالة تطمين صدرت عن الإسلاميين، بعد حصولهم علة أغلبية مقاعد البرلمان، كانت دعوتهم لكل الأحزاب الفائزة في الانتخابات، لاجتماعٍ عُقِـدَ ظهر الاثنين 16 يناير الجاري، توافَـقوا خلاله على تشكيل المكتب التنفيذي لمجلس الشعب (رئيس المجلس، الوكيلين، رؤساء ووكلاء وأمناء اللجان الـ 19)، وهذه إشارة بأنه لا يرغب في التفرّد والسيطرة على البرلمان، وكان لابد أن يستقبلها اللِّـبراليون والعِـلمانيون استقبالاً حسنًا".
وقال: مشكلة اللِّـبراليين في مصر، أنهم ظلّـوا طوال عُـمرهم يطالبون بالديمقراطية، والآن عندما تحقَّـقت الديمقراطية، نراهم يدعون للخروج عليها. فماذا يريدون بالضبط؟.. لا أعرف. أنا لا أدافع عن فصيل معيَّـن ضد الآخر، أنا رجل مستقلّ وليس لي انتماء إلي أي حزب سياسي الآن، منذ أن أعلنت استقالتي من حزب الوفد في عام 2000".
وقد كان لطيفا من الإسلاميين أن "أعلنوا تنازُلهم عن الأغلبية في الجمعية التأسيسية، التي ستضع الدستور، وهذه أيضا رسالة تطمين للمجتمع، وللِّـيبراليين الخائفين من سيْـطرة الإسلاميين على لجنة المائة. لكن اللِّـيبراليين يحاوِلون إلغاء دور البرلمان. فالشعب هو الذي اختار الإسلاميين، وأنا أثِـق بهم، لأنني أثق في اختيار الشعب، معتبرا أنه "بعد ثورة 25 يناير، لن يستطيع أحدٌ أن يعيد هذا الشعب إلى الوراء".
وأفاد البنا أنه "بعد انتخاب مجلس الشورى في 28 فبراير 2012، وقبل انتخابات رئيس الجمهورية، التي سيُـفتح باب الترشح لها في 15 أبريل 2012، ستكون لجنة إعداد الدستور قد انتهى تشكيلها وستكون تعمل في وضع الدستور، ومن ثم فلن يكون للرئيس المنتخَـب أي تأثير على اللجنة".
وقال البنا، المستشار القانوني الأسبق للوفد: "بعد الثورة، لن يكون بوسع رئيس الجمهورية المنتخَـب أن يؤثر على لجنة إعداد الدستور. فقد تجاوزنا عصور الثلاث تسعات (99.9%)، أيام الرؤساء السابقين (جمال عبد الناصر، أنور السادات، حسني مبارك). كما أن صلاحيات الرئيس في الدستور الجديد، لن تكون كثيرة ولا مُـطلَـقة، وستكون تحت السيطرة"، معتبرا أن اختصاصات الرئيس في الدستور الجديد، لن تكون مثل دستور 1971 (الذي منح الرئيس سبعة وثلاثين صلاحية مُـطلَـقة).

الفقيه الدستوري المصري، عصام الإسلامبولي، المستشار القانوني لحزب "الكرامة"

الفقيه الدستوري المصري، عصام الإسلامبولي، المستشار القانوني لحزب "الكرامة" (swissinfo)

قصور الإعلان الدستوري!

من جهته، اعتبر الفقيه الدستوري عصام الإسلامبولي أن "سبب المشكلة ناتجٌ عن القصور الشديد الذي أصاب الإعلان الدستوري الصادر عن المجلس العسكري في 30 مارس 2011 والذي تُـحكَـم به البلاد حاليا، وهذا هو السبب المباشر في الارتِـباك التشريعي الذي تمُـر به مصر".
وقال الإسلامبولي، المستشار القانوني لحزب "الكرامة" في تصريح خاص لـ swissinfo.ch "عندما استُفتِـيّ الشعب في 19 مارس على التعديلات الدستورية، التي وضعتها لجنة التعديلات برئاسة المستشار طارق البشري، النائب الأسبق لرئيس مجلس الدولة، كان الاستفتاء على 8 مواد فقط، وبعد صدور الإعلان، فوجِـئنا بأنه يتكوّن من 63 مادة وعلمنا أن المجلس العسكري أخذ باقي المواد من دستور 71، معتبرا أنها "للأسف قُطِعَت قطعا من الدستور وبُتِرت من سياقها".
والمشكلة الأساسية في موضوع الجمعية التأسيسية المكلَّـفة بإعداد الدستور، تظهر في المادة (60) من الإعلان الدستوري، حيث لم تحدّد هذه المادة الضوابط والقواعد والمعايير، التي سيتم على أساسها اختيار الأعضاء المائة الذين سيُكلَّـفون بإعداد دستور جديد لمصر، مشيرا إلى أنه "إذا أريد لهذه اللجنة أن تنجح في مهمّـتها، فلابد أن تكونَ مُمَثِّـلَةً تمثيلاً حقيقيا لكافة الشرائح والأطياف الموجودة في المجتمع المصري".
وبالإجمال، فإن المادة (60) من الإعلان الدستوري، لم تحدّد بوضوح المعايير والضوابط الواجب توفيرها عند اختيار الأعضاء المائة، كما لم توضح من أين سيختارون، هل من بين أعضاء مجلسيْ الشعب والشورى أم من خارجه أم منهما معا؟ فضلاً عن أنها تركت المسألة لتقدير وحُـسن نية الأغلبية البرلمانية.
وأوضح الإسلامبولي أن "هذه المسائل المهمة لا تؤخَـذ بالنوايا. فالإسلاميون أمام وسائل الإعلام يقولون كلاما جميلا، لكن هذا لا يكفي، لابد أن تكون هناك قواعد مكتوبة يلتزم بها الجميع ونستطيع محاسبتهم على أساسها"، مشيرا إلى أن "مدى الأخذ بالقواعد الحقيقية، هو المِـعيار الكاشف، كما أنني أتوقّـع أن يكون هناك صراعٌ شديد داخل البرلمان بين الإسلاميين أنفسهم (الإخوان والسفليين)، عند تشكيل لجنة المائة".

الفقيه الدستوري صبحي صالح، القيادي الإخواني والنائب البرلماني عن حزب "الحرية والعدالة"

الفقيه الدستوري صبحي صالح، القيادي الإخواني والنائب البرلماني عن حزب "الحرية والعدالة" (swissinfo)

جمعية الناخبين تضع المعايير

وحول معايير وضوابط اختيار أعضاء لجنة المائة، قال القيادي الإخواني والنائب البرلماني، صبحي صالح: "هذه مسألة متروكة لجمعية الناخبين، المنصوص عليها في المادة 60 من الإعلان الدستوري والتي تتشكّـل من الأعضاء غير المنتَـخبين (غير المعيّـنين) من مجلسيْ الشعب والشورى".
وأضاف صالح، الفقيه الدستوري وعضو اللجنة التي كلفها المجلس العسكري بتعديل الدستور في تصريح خاص لـ swissinfo.ch "المجلسان يجتمعان (بعد انتخاب ثلثي أعضاء مجلس الشورى وتشكيل هيئة مكتبِـه) للاتفاق على تحديد الضوابط والمعايير التي سيتِـم على أساسها اختيار لجنة المائة، التي ستكلَّـف بإعداد الدستور".
وأوضح أن كل ما يتردّد بخصوص مقترحات "المجلس الاستشاري" أو "المجلس العسكري" أو "مجلس الوزراء" لوضع معايير وضوابط يلتزم بها البرلمان عند اختياره لجنة المائة، هو كلام للاستهلاك الإعلامي وغير ملزم البتّـة لجمعية الناخبين، التي خوّلها الإعلان الدستوري (الحاكم) صلاحية الاختيار، دون غيرها. وقال: "هذا اختصاص محجوز بنصّ دستوري، ومن ثمّ فلا يصح لأية جِـهة أن تفرض عليها وِصاية عندما تمارس صلاحياتها".
وقال: لن يكون هناك رئيس للجمهورية عند وضع المعايير أو الضوابط أو عند إتمام تشكيل اللجنة أو عند ممارسة اللجنة لمهامِّـها في العمل على إعداد الدستور، لأن الرئيس سيأتي لاحقا على ذلك وليس سابقا عليه، مشيرا إلى أن "الرئيس لن تكون له أية علاقة بوضع الدستور ولن يكون بوسعه التدخّل في الصلاحيات التي سيمنحها الدستور له"".
وعن الأجندة السياسية لوضع الدستور، أوضح صالح أن "مجلس الشعب بعد ممارسته مهامّـه التشريعية، سيظل في انتظار انتهاء انتخابات مجلس الشورى، ثم يمنحه أسبوعا ليقوم بتشكيل هيئة مكتبه، ثم يلتقِـيان في أوائل شهر مارس 2012، كجمعية ناخبين لممارسة مهامهم لتشكيل الجمعية التأسيسية".

همام سرحان - القاهرة- swissinfo.ch

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire