vendredi 10 février 2012

عبد اللطيف المناوى يقدم شهادته: مبارك رجل الفرص الضائعة، والفاسدون مازالوا فى قلب النظام



فى الواحدة والنصف من ظهر يوم الجمعة الحادى عشر من فبراير عام 2011 رن الهاتف الخاص بالمشير محمد حسين طنطاوى وزير الدفاع ليسمع صوت الرئيس مبارك للمرة الأخيرة فى ظل وجوده بالحكم. قال مبارك: حسين أنا قررت أن أفوض المسئولية كاملة لك وللجيش.
رد المشير: لا يا سيادة الرئيس، سنجد وسيلة أخرى.. ليس هذا ما نريد.
أجاب مبارك: لا، هذا قرارى، تحدث مع عمر سليمان ورتبا كيفية اعلان النبأ، خلى بالك من نفسك يا حسين.
ورد هذا الحوار بنصه ضمن شهادة واحد من أهم المقربين من الرئاسة والقوات المسلحة بحكم عمله هو عبد اللطيف المناوى رئيس بقطاع الأخبار منذ عام 2005 وحتى سقوط نظام مبارك، وقد قدمت الشهادة كمذكرات شخصية له صدرت فى لندن باللغة الانجليزية قبل أن يتم تعريبها لتصدر مؤخرا عن الدار المصرية اللبنانية ويسرد فيها الايام الاخيرة لنظام مبارك.
والملفت للنظر أن الرجل كان مطلعا على تفاصيل ثورة يناير بحكم وجوده بمبنى ماسبيرو الذى يتيح له مشاهدة كل ما يدور فى صالون الرئاسة لوجود كاميرا دائمة للتليفزيون تسجل بشكل لحظى ما يجرى من اجتماعات ولقاءات لعرضها فور تلقى أمر بذلك. فضلا عن اتصاله المباشر بالرئيس مبارك، وبقادة القوات المسلحة، وبجهاز المخابرات العامة فى اطار ادارته لمنظومة بث رسائل الدولة ومتابعة الاخبار.
إن الرجل يقدم تفاصيل دقيقة لما دار فى مصر على مستوى الرئاسة والقوات المسلحة والداخلية بل والشارع أيضا منذ اندلاع الثورة وحتى تنحى مبارك بما لا يدع مجالا للشك أنه يمتلك بالفعل تسجيلات ووثائق تؤكد قدرته على المجاهرة بعرض الحقيقة كما رآها.
إنه يقدم أسرارا خطيرة رآها وشاهدها ورصدها قد تثير لدينا كثيرا من التساؤلات مما يعنى أن شهادته مازالت فى حاجة الى شهادات لتفصيل وتفسير تلك المواقف. إنه يحكى مثلا فى صفحة 222 من الكتاب أن الرئيس مبارك استدعى المشير طنطاوى يوم جمعة الغضب وعرض عليه منصب نائب رئيس الجمهورية، فرفض المشير، ثم عرض عليه رئاسة الوزراء فاعتذر أيضا، فغضب مبارك وقال له ان عليه ألا يعود إلى وزارة الدفاع وأن يبقى فى بيته لحين تلقى أوامر جديدة، لكن المشير طنطاوى لم يذهب إلى بيته وإنما ذهب الى مقر غرفة العمليات بوزارة الدفاع وهو ما فهم منه مبارك أن الجيش لا يأتمر إلا بأمر وزير الدفاع!
المثير أن مبارك ذهب بنفسه فى اليوم التالى إلى غرفة العمليات ليصالح المشير بعد أن شعر أنه قد يخسره ويخسر الجيش تماما اذا أصدر قرارا باقالته، وقد سعى لارضائه بتعيينه نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للدفاع بحكومة أحمد شفيق وهو ما رفضه المشير أيضا لأنه لا يصح أن يكون نائبا لمن هو أدنى منه فى الرتبة العسكرية.
وقد كانت الرسالة الأولى للمشير طنطاوى التى حاول ارسالها لمبارك فى اليوم التالى عندما زار ماسبيرو دون علم الرئيس حتى أن أنس الفقى وزير الاعلام المقرب من مبارك تساءل أمام المناوى «لماذا جاء؟».
ومن الحكايات المثيرة أن خبر تشكيل وزارة شفيق أرسل يوم الأحد 30 يناير الى التليفزيون لاذاعته، وكان من الطريف أنه لم يحتو على أسماء تخص حقيبتى التعليم والسياحة، وهو ما يعنى أن القائمين على اختيار الوزراء كانوا فى عجلة من أمرهم لدرجة نسيان وزيرى السياحة والتعليم وقد قدم «المناوى» ملاحظته تلك لأنس الفقى التى نقلها لزكريا عزمى وتم الاتفاق على اعلان ان هاتين الحقيبتين لم يتم حسمهما بعد.
وفيما يخص وزارة شفيق يورد «المناوى» قصة قد يكون قد انفرد بها بشأن استقالة جابر عصفور وزير الثقافة وهى أن اجتماعا لمجلس الوزراء شهد حديثا للدكتور عصفور أشار فيه الى ضرورة أن تضم الحكومة شخصيات من المعارضة وأنه لابد من التحقيق فيما جرى من عنف تجاه المتظاهرين، وهو ما دفع الدكتور مفيد شهاب وزير مجلسي الشعب والشورى لمقاطعته ثم تطاول عليه أنس الفقى وزير الاعلام الذى ضرب الطاولة بيديه وصرخ: من قال إن هذه الحكومة حكومة انقاذ وطنى. إنها حكومة الحزب الوطنى برئاسة مبارك وعلى جميع الوزراء الانضمام للحزب الوطنى.
ويسرد عبد اللطيف المناوى مواقف متعددة ليعرض مناوراته لتحقيق المصداقية فى التغطية الاخبارية الخاصة بالاحتجاجات والتى كانت تلقى صدي من الوزير وانتقادا من مؤسسة الرئاسة ممثلة فى زكريا عزمى نفسه. وقد اتصلت الرئاسة أكثر من مرة تطلب سحب الكاميرا المثبتة على ميدان التحرير.
وقد كانت نقطة التحول الواضحة فى يوميات الثورة فى اليوم التالى لتشكيل الوزارة عندما أصدرت القوات المسلحة بيانها الرابع والتى أكدت فيه كفالة حرية التعبير بالطرق السلمية، وأنها لن تستخدم العنف ضد الشعب، وهو ما أكد لمبارك أنه فقد دعم ومساندة القوات المسلحة تماما.
فى ذلك الوقت كان يمكن لمبارك أن يبقى فى الرئاسة بشكل صورى حتى يخرج خروجا مشرفا لو كان قد استمع الى نصائح عقلاء السياسة الذين عرضوا عليه التخلى عن سلطاته كاملة لنائب رئيس الجمهورية فيما عدا قرار الحرب لحين اجراء انتخابات رئاسية. ويحكى «المناوى» انه كان يتناقش مع بعض الصحفيين فى ذلك الشأن عندما عرض عليه المذيع أحمد المسلمانى معرفته بكثير من الأطراف السياسية بميدان التحرير، وقتها انتحى به «المناوى» جانبا وطلب اليه كتابة نقاط تصلح إطارا عاما لخطاب مبارك الى الشعب.
والملفت أن الخطاب الذى كتبه كلاهما تضمن نفيا تاما لاستخدام العنف ضد المتظاهرين حيث يقول نص الخطاب: «حين بدأ شبابنا حركات الاحتجاج كان قرارى اتاحة الفرصة كاملة لهم دون استخدام مفرط للقوة. لقد كان بامكانى أن أكون قاسيا وعنيفا مثل قادة آخرين فى نظم أخرى لكن تاريخى الوطنى وحبى لشعبى منعنى أن أقدم السلطة على الصالح العام».
وفى الخطاب المقترح من «المناوى» يعلن مبارك تفويض سلطاته لنائبه وقبول استقالة جمال مبارك والسعى لاجراء انتخابات حرة نزيهة. ولم يكتف عبد اللطيف المناوى بصياغة خطاب مقترح للرئيس مبارك وإنما سعى أيضا لترتيب لقاء مع مسئولين فى جهاز المخابرات العامة ليخبرهم ضرورة خروج الرئيس الى شعبه وحديثه بشكل مختلف، مع تفويض نائبه فى كافة صلاحيات رئيس الجمهورية، وبالفعل كان رد المخابرات أن الرئيس سيتحدث الى الناس الليلة وهو ما جرى بالفعل قبل موقعة الجمل بيوم واحد.
وبعد خطاب مبارك العاطفى خرجت كثير من المظاهرات المؤيدة له، وقد حرص التليفزيون على نقلها ويذكر صاحب الشهادة أن نقل المظاهرات المؤيدة لمبارك جاء تحت عنوان «مظاهرات مؤيدة للاستقرار» إلا أن أنس الفقى وزير الاعلام اتصل وطلب تغييرها الى «مظاهرات مؤيدة للرئيس» فحاول صاحب الشهادة مناقشته الا أنه أصر مؤكدا ان الرئيس ليس اسمه الاستقرار!
ويذكر «المناوى» أن أحد ضباط جهاز أمن الدولة اتصل به وأخبره أن أحد رجال الأعمال الكبار سينظم مظاهرة بأحد المناطق بالقاهرة ويريد تصويرها، والغريب ان اتصالاته تكررت عدة مرات وهو ما اثار التعجب والاستنكار لدى المسئول عن التليفزيون.
بعد موقعة الجمل أعطى عبد اللطيف المناوى تعليمات لمراسليه بتغطية ما يحدث بشكل حقيقى دون استشارة أحد. ومع استمرار التوتر بميدان التحرير حمل «المناوى» هواجسه ليتصل بأحد كبار الضباط بالقوات المسلحة ليسأله: ما آخر تلك الاحداث؟ فرد عليه قائلا: خلاص يا أستاذ عبد اللطيف.. قضى الامر الذى فيه تستفتيان!!
مع تفاقم الأوضاع تحدث صاحب الشهادة يوم الخميس 10 فبراير مع مسئولين بجهاز المخابرات وأخبره ضرورة ابلاغ الرئيس من خلال أنس الفقى الذى يعتبره مبارك بمثابة ابنه الثالث ان الوضع يزداد سوءا فى ظل تمسكه بالسلطة. وبالفعل اتفق «المناوى» مع «الفقى» على كتابة خطاب أخير للرئيس حرص «المناوى» على عرض نصه. يقول الخطاب: «شعبى.. كان لدى الشجاعة أن أكون آخر طيار يجوب سماء مصر فى الوقت الذى انهار فيه الجيش بعد تدمير قواعده العسكرية عام 1967، وكان لدى الشجاعة للمشاركة فى الحرب ضد اسرائيل عام 1973، وكان لدى الشجاعة لقبول منصب الرئاسة بعد اغتيال سلفى على بعد أقل من 20 مترا منى، وكان لدى الشجاعة أن أعمل جاهدا لبناء هذا البلد. والآن لدى الشجاعة لأقول لكم إن شعبى لديهم الحق فى تحديد مصيرهم واختيار طريقة حكمهم لذلك فقد فوضت سلطاتى لنائب رئيس الجمهورية مكتفيا بمشاهدة ومراقبة أول انتقال سلمى للسلطة فى العالم العربى».
وبالفعل تحدث أنس الفقى مع جمال مبارك فى الهاتف وقرأ عليه الخطاب، فطلب منه جمال القدوم الى الرئاسة. وبعد قليل تلقى «المناوى» اتصالا من القوات المسلحة باذاعة بيان هام وكان يحتوى أول اجتماع للمجلس الأعلى للقوات المسلحة دون حضور مبارك. وبعد دقيقتين اتصل زكريا عزمى ب «المناوى» وسأله عما تمت اذاعته، فرد «المناوى»: انه بيان من القوات المسلحة. فسأله: لماذا لم تبلغنا به؟ فرد بأن أى بيان يأتى من القوات المسلحة تتم اذاعته دون علم بما فيه. وفى واقع الامر لم يكن ذلك صحيحا لأن المناوى كان يطلع على كل بيان قبل اذاعته. المهم أن اتصالا آخر تلقاه الرجل من القوات المسلحة لتشكره على اذاعة البيان.
فى مساء الخميس السابق على التنحى رأى «المناوى» فى الرابط التليفزيونى الخاص بالرئاسة اجتماعات متواصلة بين جمال وعلاء مبارك ووالدهما وأنس الفقى. وبعد قليل دخل الرئيس مبارك قاعة إلقاء البيانات وبدأ قراءة خطاب من ورق أمامه وارتكب الرجل المسن عدة أخطاء وفى كل مرة يعود ليقرأ من جديد، وفى احدى المرات أوقفوه فى منتصف الخطاب لضبط رابطة عنقه. وعندما سمع عبد اللطيف المناوى الخطاب أصيب بحالة احباط حيث كان متعجرفا وخاليا من الاحساس خاصة عندما أكد انه لن يستمع لأى تدخلات خارجية مهما كان مصدرها.
وبعد اذاعة الخطاب تصاعد الغضب الشعبى ووصل بأن قذف المتظاهرون صور مبارك بالأحذية، وتحدث «المناوى» هاتفيا مع أنس الفقى عن الخطاب الذى كتبه. فقال له ان جمال مبارك والسفير سليمان عواد تدخلا وغيرا صياغة الخطاب، وقال له الفقى: لن أعود الى ماسبيرو الآن فكل شىء محاصر، وضحك قائلا: لا تخف لن أهرب.
فى ظهر يوم الجمعة تلقى «المناوى» اتصالا من الجيش وطلبوا منه نشر خبر عن اعتزام مبارك الرحيل، وبالفعل اتصل «المناوى» ببعض الشبكات الاخبارية لنشر الخبر، وبعض قليل استقل مبارك طائرة هليوكبتر من القصر الرئاسى الى مطار النزهة ومن هناك استقل طائرة رئاسية الى شرم الشيخ. وقبل أن يغادر – وطبقا لرواية «المناوى» – سأله عمر سليمان: هل أنت بحاجة للذهاب الى الخارج؟ فأجاب: لا، وأضاف: أريد أن أموت فى هذا البلد، لم أرتكب خطأ.. لقد تركت كل شىء: السياسة والسلطة، أريد فقط أن أعيش هنا.
وبمجرد وصول مبارك الى شرم الشيخ اتصل بالمشير طنطاوى وقال له: أنت الآن صاحب السلطة. لقد فوضت المسئولية كاملة لك وللجيش.
رد المشير: لا يا سيادة الرئيس، سنجد وسيلة أخرى.
أجاب مبارك: لا، هذا قرارى.. تحدث مع عمر سليمان ورتبا اذاعة الأمر.
وبالفعل بعد ساعة تقريبا وصل اللواء اسماعيل عتمان الى مبنى ماسبيرو وهو يحمل بيان عمر سليمان وانتظر لبعض الوقت حتى تلقى اتصالا بسفر عائلة الرئيس الى شرم الشيخ ليقرر بعدها اذاعة البيان.
كانت سوزان مبارك قد رفضت مغادرة الفيلا لأكثر من ثلاث ساعات وانهارت من الحزن وتم العثور عليها تبكى على الأرض بينما كان ابناها ينتظرانها فى الطائرة، وساعدها الحرس على النهوض وسألتهم: هل يستطيعون الوصول الى هنا؟ لو سمحتم لا تسمحوا لهم بذلك.
ويختتم عبد اللطيف المناوى شهادته بعبارات موحية يقول فيها: «سيستغرق تفسير ما حدث أعواما. وفى محاولة لتطهير أنفسهم تجرى الحكومة محاكمات صورية لتهدئة الرأى العام إلا أن الفاسدين مازالوا فى قلب النظام».
ويعتبر الشاهد الرئيس مبارك «رجل الفرص الضائعة» لأنه كان أمامه فرص عديدة لدخول التاريخ ونقل مصر نقلة حضارية وديمقراطية واقتصادية لكنه أهدرها.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire